للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معناه الأصلي، فهو كالفقء بالهمزة، وهي تتعاقب مع الهاء لاتحاد مخرجهما وذكر الحكيم الترمذي هذا، واستدل به على أن الفقه بالشيء، هو معرفة باطنه والوصول إلى أعماقه، فمن لا يعرف من الأمور إلا ظواهرها لا يسمى فقيهًا.

وذكر أصحاب المعاجم، أن اسم الفقه غالب على علم فروع الشريعة، أي من العبادات والمعاملات، وهو اصطلاح حادث لا يفسر به ما ورد في الكتاب والسنّة من هذه المادة. والتحقيق أنهم لم يكونوا يسمون كل من يعرف هذه الفروع فقيهًا، كما ترى عبارة الغزالي الآتية، ولغيره ما هو أوضح منها، فقد اشترطوا فيه معرفته بدلائلها وذكر الغزالي في (بيان ما بدل من ألفاظ العلوم)، أن لفظ الفقه تصرفوا فيه بالتخصيص لا بالنقل والتحويل، إذ خصصوه بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى، والوقوف على دقائق عللها ..

قال: ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقًا على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب، ويدلك عليه قوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢] وما يحصل به الإنذار والتخويف، هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة، فذلك ليس به إنذار ولا تخويف، بل التجرد له على الدوام، يقسى القلب وينزع الخشية منه، كما نشاهد الآن من المتجردين له، . وقال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: ١٧٩] وأراد به معاني الإيمان دون الفتوى. وروي عن أبي حنيفة تفسيره بمعرفة النفس ما لها وما عليها.

وأقول: ذكرت هذه المادة في عشرين موضعًا من القرآن، تسعة عشر منها تدل على أن المراد به نوع خاص من دقة الفهم والتعمق في العلم، الذي يترتب عليه الانتفاع به، وأظهره نفي الفقه عن الكفار والمنافقين، لأنهم لم يدركوا كنه المراد مما نفي فقهه عنهم، ففاتهم المنفعة من الفهم الدقيق، والعلم المتمكن

<<  <  ج: ص:  >  >>