من النفس، ومنه قول قوم شعيب لنبيهم:{مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}[هود: ٩١] وإن تراءى لغير الفقيه أنه ليس منه، فإنهم كانوا يفهمون كل ما يقول فهمًا سطحيًا ساذجًا، لأنه يكلمهم بلغتهم، ولكن لم يكونوا يبلغون ما في أعماق بعض الحكم والمواعظ من الغايات البعيدة لعدم تصديقهم إياه، وعدم احترامهم له، ولأنه مخالف لتقاليدهم وأهوائهم الصادة لهم عن التفكير فيه والاعتبار به. أما الموضع العشرون فهو قوله تعالى حكاية عن نبتّه موسى عليه السلام:
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: ٢٧ - ٢٨]، وهو لا ينافي ما ذكر؛ لأن فصاحة اللسان الداعية إلى الدين والواعظ المنذر تعين على تدبر ما يقول وفقهه.
٤ - وفي تفسير الركون في قوله تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود: ١١٣] من سورة هود يظهر لنا تضلعه - رحمه الله - في إمامة اللغة، فهو ناقد ومقوّم بل راسم منهج في التعامل مع الألفاظ اللغوية إلى حد الاجتهاد اللغوي، يقول (١):
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، أي ولا تستندوا إلى الذين ظلموا من قومكم المشركين، ولا من غيرهم، فتجعلوهم ركنًا لكم تعتمدون عليهم فتقروهم على ظلمهم، وتوالوهم في سياستكم الحربية أو أعمالكم المالية، فإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، فالركون من ركن البناء وهو الجانب القوي منه، ومنه قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)} [هود: ٨٠] , والسند بمعنى الركن، وقد اشتق منه:(سند إلى الشيء، كركن إليه، واستند إليه)، وفسره الفيروز أبادي في قاموسه بالتبع للجوهري بالميل إلى الشيء والسكون له، وهو تفسير بالأعم، كعادتهم،