وفسره الزمخشري بالميل اليسير، وتبعه البيضاوي وغيره من المفسرين، الذين يعتمدون عليه في تحريره للمعاني اللغوية، لدقة فهمه وذوقه وحُسن تعبيره وإنه لكذلك، وقتما يخطئ في اللغة إلا متحرفًا إلى شيوخ المذهب (المعتزلة)، أو متحيزًا إلى فئة من رواة المأثور من الصحابة والتابعين، أو نقلة اللغة. وشيوخ المذهب يخطئون في الاجتهاد، وفئة الروايات تخطئ في اعتماد الأسانيد الضعيفة والإسرائيليات، ورواة اللغة يفسرون اللفظ أحيانًا، بما هو أعم منه أو يلازمه أو بغير ذلك من قرائن المجاز في بعض كلام العرب، ولا يعنون أن ذلك هو حد اللفظ المعروف بحقيقته. وقد فسر بعضهم الركون بالميل والسكون إلى الشيء، وهو من تساهلهم، ولكنهم قد ذكروا في مادته، ما يدل على هذا التساهل، ويؤيد ما حققناه).
٥ - وتظهر دقته في فهمه وغوصه في أعماق معاني الألفاظ، وهو يفرق بين معنى الإجابة والاستجابة، عند قوله تعالى:{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ}[الأنعام: ٣٦] من سورة الأنعام (١). فبعد أن ينقل ما قيل في الفرق بينهما يقول: (وقال الراغب: والاستجابة قيل هي الإجابة، وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيؤ له، لكن عبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها وهذا من دقائق تحديده للمعاني رحمه الله تعالى، ولكنه لم يحط به.
وحقيقة الجواب والإجابة كما يؤخذ من قوله: قطع الصوت أو الشخص الجوب أو الجوبة، وهي المسافة بين البيوت أو الحفرة ووصوله إلى الداعي، أي المستلزم للشروع والمضي فيها. وعند الإمكان، وغايته الإجابة التامة عند عدم المانع، فالسين والتاء على معناهما، ومن دقق النظر في استعمال الصيغتين في القرآن الكريم، يظهر له أن أفعال الإجابة كلها، قد ذكرت في المواضع المفيدة لحصول السؤال كله، بالفعل حقيقة أو ادعاء، دفعة واحدة،