ومنه الإجابة بالقول، كقولك: نعم، وبلى، ولبيك، ولك ذلك، وأن الاستجابة قد ذكرت في المواضع المفيدة لحصول السؤال بالقوة أو التهيؤ والاستعداد له، ومنه قوله تعالى:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}[آل عمران: ١٧٢]، فهو قد نزل في تهيؤ المؤمنين للقتال في حمراء الأسد بعد أحد، أو بالفعل التدريجي، كاستجابة دعوة الدين التي تبدأ بالقبول بالشهادتين، ثم تكون سائر الأعمال بالتدرج وشواهده كثيرة، والاستجابة من الله القادر على كل شيء، إنما يعبر بها في الأمور التي تقع في المستقبل، ويكون الشأن فيها أن تقع بالتدريج، كاستجابة الدعاء بالوقاية من النار، وبالمغفرة وتكفير السيئات وإيتاء ما وعد الله به المؤمنين في الآخرة، قال تعالى بعد حكاية هذا الدعاء بذلك عن أولي الألباب:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ}[آل عمران: ١٩٥] وكاستجابته للمؤمنين في بدر بإمدادهم بالملائكة تثبتهم، كما في سورة الأنفال، ومن ذلك استجابته لأيوب وذي النون وزكريا عليهم السلام، كما في سورة الأنبياء. كل ذلك مما يقع بالتدريج في الاستقبال. وأما قوله تعالى لموسى وهارون، حين دعوا على فرعون وملئه:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}[يونس: ٨٩] فهو تبشير لهما بأنه تعالى قد قبلها بالفعل، وهذا من الإجابة القولية، جاءت بصيغة الماضي للإيذان بتحقق مضمونها في المستقبل، حتى كأنها أجيبت وانتهى أمرها. وهذا المعنى تؤديه مادة الإجابة دون مادة الاستجابة. ولو ذكرت هذه المسألة بصيغة الحكاية، لعبر عن إعطائهما ما سألا بلفظ الاستجابة، كما قال في شأن كل من أيوب وذي النون وزكريا.
٦ - ومن ذلك بيانه لمعنى (ذرية) يقول:
إن الذرية من مادة ذرأ المهموزة، أي خلق، كما أن البرية من مادة برأ. وقيل من مادة ذرو، فأصلها ذروية وقيل هي من الذر وأصلها فعلية كقمرية.