قال الراغب: والذرية أصلها الصغار من الأولاد، وإن كان قد يقع على الصغار والكبار معًا في التعارف، ويستعمل للواحد والجمع. وأصله الجمع، وقال الأستاذ الإمام: يقال إن لفظ الذرية قد يطلق على الوالدين والأولاد خلافًا لعرف الفقهاء، وهو قليل، والمشهور ما جرى عليه الفقهاء وهو أن الذرية الأولاد فقط فقوله (بعضها من بعض) ظاهر على الأول. ويخص على الثاني بآل إبراهيم وآل عمران، ويصح أن يكون بمعنى أنهم أشباه وأمثال في الخيرية والفضيلة التي هي أصل اصطفائهم على حد قوله تعالى {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ}[التوبة: ٦٧] وهو استعمال معروف. أقول: وهؤلاء الذين يشبه بعضهم بعضًا من هذه الذرية هم الأنبياء والرسل، قال تعالى في سياق الكلام على إبراهيم {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧)} [الأنعام: ٨٤ - ٨٧](١).
٧ - ويبين معنى الإدلاء في قوله تعالى:{وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}[البقرة: ١٨٨] فيقول: إن الإدلاء بمعنى الإلقاء، وقالوا: إنه في الأصل إلقاء الدلو، واختير هذا التعبير لأنه يشعر بعدم الروية. هذا ما اقتصر عليه الأستاذ الإمام، وفي التفسير الكبير للإمام الرازي: إلقاء الدلو يراد به إخراج الماء.
وإلقاء المال إلى الحكام يراد به الحكم للملقى، وذكر وجهًا آخر بعيدًا. والضمير في قوله تعالى (بها) قيل إنه يرجع إلى الأموال، والمعنى لا تلقوها إليهم بالرشوة، وقالوا: إن الرشوة رشاء الحكم، وقيل: إن المراد ولا تلقوا بحكومة الأموال إلى الحكام. والفريق من الشيء: الجملة والطائفة منه.