للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإثم فسره بعضهم بشهادة الزور وبعضهم باليمين الفاجرة، وهو أعم من ذلك وإن صح ما ذكروه في سبب نزول الآية وهو ما أخرجه ابن أبي حاتم من مراسيل سعيد بن جبير ((أن عبد الله ابن أشوع الحضرمي وأمرأ القيس بن عابس اختصما في أرض ولم تكن بينة، فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحلف امرؤ القيس، فهم به، فنزلت) والمراد بالعلم في قوله (تعلمون) ما يشمل الظن، وهو احتراس عمن يأكل معتقدًا أنه حقه، ولذلك أمثلة وفروع لا تحصى، ذكر الأستاذ الإمام منها في الدرس: ما إذا علم زيد أن أباه أودع له وديعة كذا عند فلان الذي مات فطالب ولد الميت بذلك، وكان هذا يعتقد أن أباه تركه تراثًا فمن حكم له به منهما لا يقال إنه أكله بالإثم.

وذكر الأستاذ الإمام في تفسير الآية ما عليه المسلمون في هذا العصر ولا سيما في بلاد مصر، من كثرة التقاضي والخصام والإدلاء إلى الحكام، حتى إن منهم من لا يطالب غريمه بحقه إلا بواسطة المحكمة، ولعله لو طالبه لما احتاج إلى التقاضي، ومنهم من يحاكم الآخر لمحض الانتقام والإيذاء وإن أضر بنفسه أهـ.

أقول: وكم من ثروة نفدت، وبيوت خربت، ونفوس أهينت، وجماعة فرقت، وما كان لذلك من سبب إلا الخصام، والإدلاء بالمال إلى الحكام، ولو تأدب هؤلاء الناس بآداب الكتاب الذي يتتسبون إليه؛ لكان لهم من هدايته ما يحفظ حقوقهم، ولمنع تقاطعهم وعقوقهم. ويحل فيهم التراحم والتلاحم، محل التزاحم والتلاحم، وإنك ترى من أذكيائهم ممن يزعم أنهم عن هدى الدين أغنياء، وقد عموا عما أصابهم بتركه من الأرزاء، فهم بالفسق يتنابذون ويتحاسدون، ويتنافذون ويتنافدون ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون (١).


(١) ج ٢، ص ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>