حَسَنًا} [البقرة: ٢٤٥] فهذه العبارة أبلغ من الأمر المجرد، ومن الأمر المقرون ببيان الحكمة، والتنبيه إلى الفائدة، والوجه في اختيار هذا الأسلوب هنا على ما قرره الأستاذ الإمام: أن الداعية إلى البذل في المصالح العامة ضعيفة في نفوس الأكثرين، والرغبة فيه قليلة، إذ ليس فيه من اللذة والأريحية ما في البذل للأفراد، فاحتيج فيه للمبالغة في التأثير.
يدفع الغني إلى بذل شيء من فضل مالِه لأفراد ممن يعيش معهم أمور كثيرة، منها: إزالة ألم النفس برؤية المعوزين والبائسين، ومنها اتقاء حسد الفقراء واكتفاء شر شرارهم، والأمن من اعتدائهم، ومنها التلذذ برؤية يده العليا، وبما يتوقعه من ارتفاع المكانة في النفوس، وتعظيم من يبذل لهم وشكرهم وحبهم، فإن السخي محبب إلى جميع الناس من ينتفع منهم بسخائه ومن لا ينتفع، وإذا كان البذل إلى ذوي القربي أو الجيران فحظ النفس فيه أجلى، وشفاء ألم النفس به أقوى، فإن ألم جارك وقريبك ألم لك، ويتعذر على الإنسان أن يكون ناعمًا بين أهل البؤس والضراء، سعيدًا بين الأشقياء، فكل هذه حظوظ للنفس في البذل للأفراد تسهل عليها امتثال أمر الله فيه وإن لم يكن مؤكدًا، وقد يكون فيها من الرياء وحب السمعة ما ينافي كونها قربة وتعبدًا.
وأما البذل الذي يراد هنا - وهو البذل للدفاع عن الدين وإعلاء كلمته، وحفظ حقوق أهله - فليس فيه شيء من تلك الحظوظ التي تسهل على النفس مفارقة محبوبها (المال) إلا إذا كان تبرعًا جهريًا، يتولى جمعه بعض الحكام والأمراء أو يجمع بأمر الملوك والسلاطين، ولذلك يقل في الناس من يبذل المال في المصالح العامة لوجه الله تعالى، فلهذا كان المقام يقتضي مزيد التأكيد، والمبالغة في الترغيب، وليس في الكلام ما يدرك شأو هذه الآية في تأثيرها ولا سيما موقعها هذا بعد بيان سنة الله تعالى في موت الأمم وحياتها.