٥ - ومنها قوله تعالى:{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}[البقرة: ١٦٦] قال الأستاذ الإمام: جاءت فيه الباء لمعنى خاص لا يظهر فيما ذكروه هنا من معانيها، وإنما يفهمه العربي من الأسلوب، فإنك إذا قلت هنا كما قال الجلال تقطعت عنهم الأسباب لا ترى في نفسك الأثر الذي تراه عند تلاوة العبارة الأولى التي تمثل لك التابعين والمتبوعين، كعقد انفرط بانقطاع سلكه فذهبت كل حبة منه في ناحية.
أقول وتوضيحه أن هؤلاء المقلدين قد كانوا مرتبطين في الدنيا، ومتصلًا بعضهم ببعض بأنواع من المنافع والمصالح، يستمدها كل من التابع والمتبوع من الآخر، فشبهت هذه المنافع التي حملت الرؤساء على قود المرؤوسين، والتابعين على تقليد المتبوعين بالأسباب، وهي في أصل اللغة الحبال كأنه يقول إن كل واحد منهم كان مربوطًا مع الآخرين بحبال كثيرة، فلم يشروا إلا وقد تقطعت هذه الحبال كلها، فأصبح كل واحد منبوذًا في ناحية لا يصله بالآخر شيء، وعلى هذا تكون الباء متعلقة بمحذوف حال من الفاعل، قال الأستاذ الإمام: ومن هذه الأساليب الخاصة قوله تعالى: (وكفى بالله شهيدًا) و (سبحان الله)، فإذا فسرت ذلك بالتحليل والإرجاع إلى القواعد العامة، فقلت في الأول كفى الله شهيدًا، أو كفت شهادته، وفي الثاني تسبيحًا لله: لم يكن له تأثير الأول وموقعه من النفس، ومثل هذه الأساليب الخاصة توجد في كل لغة.
٦ - وعند قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النساء: ٢٦] قال:
(مضت سنة القرآن الحكيم بأن يعلل الأحكام الشرعية ويبين حكمها بعد بيانها، وفي هذه الآيات تعليل بيان لما تقدم من أحكام النكاح. قال الأستاذ الإمام: قوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} الخ استئناف يأتي كأن قائلًا يقول: ما