هي حكمة هذه الأحكام وفائدتها لنا؟ وهل كلف الله تعالى أمم الأنبياء السابقين إياها أو مثلها فلم يبح لهم أن يتزوجوا كل امرأة وهل كان ما أمرنا به ونهانا عنه تشديدًا علينا أم تخفيفًا عنا؟ فجاءت الآيات مبينة أجوبة هذه الأسئلة التي من شأنها أن تخطر بالبال بعد العلم بتلك الأحكام، وقوله (ليبين) معناه أن يبين فاللام ناصبة بمعنى أن المصدرية كما قال الكوفيون: ومثله {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}[الصف: ٨] أقول: ويجعل البصريون متعلق الإرادة محذوفًا واللام للتعليل أو العاقبة أي يريد الله ذلك التحريم والتحليل لأجل أن يبين لكم به ما فيه مصلحتكم وقوام فطرتكم. ولهم في هذه اللام أقوال أخرى.
وقد حذف مفعول ليبين لتتوجه العقول السليمة إلى استخراجه من ثنايا الفطرة القويمة، وقد أشار الأستاذ الإمام إلى بعض الحكم في تحريم تلك المحرمات عقب سردها ورأينا أن نؤخر ذكرها فنجعله في هذا الموضع ليكون بيانًا لما وجهت إليه النفوس هنا بحذف المفعول، وإنما كتبنا عنه في مذكرتنا بيان عاطفة الأب السائقة إلى تربية ولده وهي تذكر بغيرها من مراتب صلات القرابة، وإننا نذكر ما يتعلق بهذا المقام بالإيجاز، ومحل الإسهاب فيه كتب الأخلاق) (١).
٧ - وعند قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ}[النساء: ١٧٠] قال: (نادى الله تعالى بهذه الآية جميع الناس، في سياق خطاب أهل الكتاب، لأن الحجة إذا قامت عليهم بشهادة الله تعالى بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووجب عليهم الإيمان به، فبالأولى تقوم على غيرهم، ممن ليس لهم كتاب ككتابهم، وذكر الرسول ههنا معرفًا لأن أهل الكتاب قد بشروا به، وكانوا ينتظرون بعثته. بعنوان أنه الرسول الكامل، الذي هو المتمم الخاتم. ومما يدل على أن اليهود كانوا ينتظرون من الله مسيحًا ونبيًّا بشر بهما أنبياؤهم، ما جاء في