أوائل الفصل الأول من إنجيل يوحنا، وهو أنهم أرسلوا بعض الكهنة واللاويين إلى يوحنا (يحيى عليه السلام) ليسألوه من هو، وكانت قد ظهرت عليه إمارات النبوة - فسألوه أأنت المسيح؟ قال لا، قالوا أأنت النبي؟ قال لا. والشاهد أنهم ذكروا له النبي بلام العهد. فلا شك أن يهود العرب ونصاراهم لما سمعوا هذه الآية في زمن التنزيل تذكر مجيء الرسول المعروف بصيغة التحقيق (قد) فهموا أن المراد به الرسول الذي بشرهم به موسى عليه السلام في التوراة ... وعيسى في الإنجيل ... ومن لم يعرف شيئًا من أمر هذه البشارات يفهم من التعريف معنى آخر وهو صحيح ومراد وهو أن التعريف لإفادة أن هذا الرسول هو الفرد الكامل في الرسل لظهور نبوته، ونصوع حجته، وعموم بعثته، وختم النبوة والرسالة به، ومعنى كونه جاء الناس بالحق من ربهم أنه جاء بالقرآن الذي هو أبلغ بيان للحق، وأظهرت الآيات المؤيدة له، واختيار لفظ الرب هنا للإشعار بأن هذا الحق الذي جاء به يقصد به تربية المؤمنين وتكميل فطرتهم) (١).
٨ - وعند قوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ}[المائدة: ٤] أي كسبتم، وقيل من الجرح بمعنى الخدش أي أن من شأنها أن تجرح ما تصيده، و (مكلبين) اسم فاعل من التكليب، وهو تعليم الجوارح وتأديبها وإضراؤها بالصيد، وأصله تعليم الكلاب، غلب لأنه الأكثر، وقيل أنه من الكلب (يالتحريك) بمعنى الضراوة، يقال هو كلب (ككتف) بكذا، إذا كان ضاريًا به، وموضع (مكلبين) النصب على الحال، وكذلك جملة {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} أو هي استئناف، أي أنتم تعلمونهن مما علمكم الله، أي مما ألهمكم الله إياه وهداكم إليه من ترويضها والانتفاع بتعليمها، وما ألهمكم ذلك الانتفاع إلا وهو ييح لكم. ونكتة هذه الجملة على القول بأنها حالية مراعاة استمرار تعاهد الجوارح بالتعليم؛ لأن إغفالها ينسيها ما تعلمت فتصطاد لنفسها، ولا تمسك على