صاحبها، وإمساكها عليه شرط لحل صدها، نص عليه في الجملة التي بعد هذه، وهذا التعليل الذي ألهمنيه الله تعالى أظهر مما قالوه من أنه المبالغة في اشتراط التعليم، وإذا كانت الجملة استئنافًا فنكتتها تذكير الناس بفضل الله عليهم بهدايتهم إلى مثل هذا التعليم، على سنة القرآن في مزج الأحكام بما يغذي التوحيد وينمي الاعتراف بفضل الله وشكر نعمه وغاية تعليم الجارح أن يتبع الصيد بإغراء معلمه أو الصائد به، ويجيب دعوته، وينزجر بزجره، ويمسك الصيد عليه) (١).
٩ - وعند قوله تعالى:{قَال يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[المائدة: ٣١] يقول: (قال جمهور المفسرين: إن (يا ويلتا) كلمة تحسر وتلهف، وإنها تقال عند حلول الدواهي والعظائم، وقال في لسان العرب: والويل حلول الشر، والويلة الفضيحة والبلية. وقيل هو تفجع. وإذا قال القائل: يا ويلتاه! فإنما يعني وافضيحتاه! وكذلك تفسير {يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ}[الكهف: ٤٩] أ. هـ. وهذا هو المعنى الصحيح. والألف في الكلمة بدل ياء المتكلم إذ الأصل: يا ويلتي والنداء للويلة لإفادة حلول سببها الذي تحل لأجله حتى كأنه دعاها إليه وقال: أقبلي فقد آن أوان مجيئك، فهل بلغ من عجزي أن كنت دون الغراب علمًا وتصرفًا؟ والاسستفهام للإقرار والتحسر، وأما الندم الذي ندمه فهو ما يعرض لكل إنسان عقب ما يصدر عنه من الخطأ في فعل فعله، إذا ظهر لَهُ أن فعله كان شرًّا له لا خيرًا. وقد يكون الندم توبة إذا كان سببه الخوف من الله تعالى، والتألم من تعدى حدوده، وقصد به الرجوع إليه. وهذا هو المراد بحديث (الندم توبة) رواه أحمد والبخاري في تاريخه والحاكم والبيهقي، وعلم عليه في الجامع الصغير بالصحة، وأما الندم الطبيعي الذي أشرنا إليه فلا يعد وحده توبة والتوبة من