للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصناعية التي تدل عليها وتدبرها، ومن كانت له الملكة والصناعة قد يفهم المراد في الجملة، ويغفل عن إيضاحها بالقواعد الصناعية. إن التعبير بجمله (وأنتم سكارى) يتضمن النهي عن السكر الذي يخشى أن يمتد إلى وقت الصلاة، فيفضي إلى آدائها في أثنائه، فالمعنى: احذروا أن يكون السكر وصفًا لكم عند حضور الصلاة، فتصلوا وأنتم سكارى، فامتثال هذا النهي إنما يكون بترك السكر في وقت الصلاة، بل وفيما يقرب من وقتها، وليس المعنى لا تصلوا حال كونكم سكارى، وعلى هذا لا يرد الاعتراض الذي أورده الأستاذ الإمام وأجاب عنه بثلاثة أجوبة، وإنما كان يرد لو قال تعالى: (لا تقربوا الصلاة سكارى، أو يقال في دفعه هذا، والجواب الأول من تلك الأجوبة في معنى هذا، ولكنه ليس مأخوذًا من منطوق الآية ومدلول الجملة الحالية، وإنما فهمنا منه أنه مأخوذة من توقف الامتثال على اجتناب السكر قبل الصلاة، وصرح بأنه من باب الاحتياط. وأما نهيهم عن الصلاة جنبًا فلا يتضمن نهيهم عن الجنابة قبل الصلاة، ولهذا لم يقل وأنتم جنب. فيا لله العجب من دقة عبارة القرآن الحكيم وبلاغتها واشتمالها على المعاني الكثيرة باختلاف التعبير فقد دلت الآية باختلاف الحالين على أن الشارع يريد صرف الناس عن السكر وتربيتهم على تركه بالتدريج لما فيه من الإثم والضرر ولا يريد صرفهم عن الجنابة لأنها من سنن الفطرة وإنما ينهاهم عن الصلاة في أثنائها حتى يغتسلوا، فهذا النهي تمهيد لفرض الطهارة من الجنابة، وكونها شرطًا للصلاة وذلك النهي تمهيد لتحريم الخمر البتة في سياق إيجاب الفهم والتدبر لما في الصلاة من الأذكار والتلاوة) (١).

١١ - وعند قوله {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: ٦٢] يقول: وفي الجملة مباحث لفظية ومعنوية يتضح بها ما فيها من البلاغة.


(١) المنار ٥/ ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>