للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه؟ السفر مظنة المشقة، يشق فيه غالبًا كل ما يؤتى في الحضر بسهولة وأشق ما يشق فيه الغسل والوضوء، وإن كان الماء حاضرًا مستغنى عنه. وأضرب لهم مثلًا هذه الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، فإن الماء فيها كثير دائمًا وفي كل باخرة منها حمامات أو بيوت مخصوصة للاغتسال بالماء الساخن والماء البارد، ولكنها خاصة بالأغنياء الذين يسافرون في الدرجة الأولى أو الثانية، وهؤلاء الأغنياء منهم من يصيبه دوار شديد يتعذر عليه معه الاغتسال، أو خفيف يشق معه الاغتسال، ولا يتعذر، فإذا كانت هذه السفن التي يوجد فيها من الماء المعد للاستحمام ما لم يكن يوجد مثله في بيت أحد من أهل المدينة زمن التنزيل، يشق فيها الاغتسال أو يتعذر، فما قولك في الاغتسال في قطارات سكك الحديد أو قوافل الجمال والبغال؟ .

إلا أن من أعجب العجب غفلة جماهير الفقهاء عن هذه الرخصة الصريحة في عبارة القرآن، التي هي أظهر وأولى من قصر الصلاة وترك الصيام، وأظهر في رفع الحرج والعسر الثابت بالنص وعليه مدار الأحكام، واحتمال ربط قوله تعالى (فلم تجدوا ماء) بقوله (وإن كنتم مرضى أو على سفر) بعيد بل ممنوع ألبتة، كما تقدم، على أنهم لا يقولون به في المرضى؛ لأن اشتراط فقد الماء في حقهم لا فائدة له؛ لأن الأصحاء مثلهم فيه، فيكون ذكرهم لغوا يتنزه عنه القرآن، ونقول إن ذكر المسافرين كذلك، فإن المقيم إذا لم يجد الماء يتيمم بالإجماع، فلولا أن السفر سبب الرخصة كالمرض لم يكن لذكره فائدة، والذنك عللوه بما هو ضعيف متكلف. وما ورد في سبب نزولها من فقد الماء في السفر أو المكث مدة على غير ماء لا ينافي ذلك. رووا (أنها نزلت في بعض أسفار النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد انقطع فيها عقد لعائشة فأقام النبي -صلى الله عليه وسلم- على التماسه والناس معه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأغلظ أبو بكر على عائشة وقال حبست رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء، فنزلت الآية فلما صلوا بالتيمم جاء أسيد بن الخضير إلى مضرب عائشة فجعل يقول: ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر) رواه الستة وفي رواية (يرحمك

<<  <  ج: ص:  >  >>