للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهين إلا جعل الله تعالى فيه للمسلمين فرجًا. فهذه الرواية وهي من وقائع الأحوال لا حكم لها في تغيير مدلول الآية، ولا تنافي جعل الرخصة أوسع من الحال التي كانت سببًا لها، ألا ترى أنها شملت المرضى، ولم يذكر في هذه الواقعة أنه كان فيها مرضى شق عليهم استعمال الماء، على تقدير وجوده، وليس فيها دليل على أن كل الجيش كان فاقدًا للماء، ولا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل التيمم فيها خاصًّا بفاقدي الماء دون غيرهم، ومثلها سائر الروايات المصرحة بالتيمم في السفر لفقد الماء التي هي عمدة الفقهاء، على أنها منقولة بالمعنى وهي وقائع أحوال مجملة لا تنهض دليلًا، ومفهومُها مفهومُ مخالفة، وهو غير معتبر عند الجمهور، ولا سيما في معارضة منطوق الآية. وإننا نرى رخصة قصر الصلاة قد قيدت بالخوف من فتنة الكافرين كما سيأتي في هذه السورة، ونرى هؤلاء الفقهاء كلهم لم يعملوا فيها بمفهوم هذا الشرط في كتاب الله! ! وروي في سبب النزول أيضًا: أن الصحابة نالتهم جراحة وابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فنزلت، وروي أيضًا: أنها نزلت فيمن اغتسل في السفر بمشقة وسيأتي.

وإذا ثبت أن التيمم رخصة للمسافر بلا شرط ولا قيد، بطلت كل تلك التشديدات التي توسعوا في بنائها على اشتراط فقد الماء، ومنها ما قالوه من وجوب طلبه في السفر وما وضعوه لذلك من الحدود، كحد القرب وحد الغوث. وأذكر أنني عندما كنت أدرس شرح المنهاج في فقه الشافعية قرأت باب التيمم في شهرين كاملين لم أترك الدرس فيهما ليلة واحدة فهل ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أحد الصحابة تكلم في التيمم يومين أو ساعتين؟ وهل كان هذا التوسع في استنباط الأحكام والشروط والحدود سعة ورحمة على المؤمنين أم عسرًا وحرجًا عليهم؟ وهو ما رفعه الله عنهم.

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣] العفوّ ذو العفو العظيم، ويطلق العفو بمعنى اليسر والسهولة، ومنه في التنزيل (خذ العفو) وفي الحديث (قد عفوت عن

<<  <  ج: ص:  >  >>