للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدقة الخيل والرقيق) أي أسقطتها تيسيرًا عليكم. ومن عفوه تعالى أن أسقط في حال المرض والسفر وجوب الوضوء والغسل. ومن معاني العفو محو الشيء، يقال: عفت الريح الأثر، ويقال: عفا الأثر (لازم) أي امَّحى، ومنه: العفو عن الذنب عفا عنه وعفا له ذنبه وعفا) (١).

بقي بعد ذلك النظر في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] من جهة ما تدل عليه من الأسباب المبيحة لتلك البديلة.

ونحن في هذا المقام نريد أن نقف بأنفسنا أمام هذه الجملة من آية الطهارة، ناظرين في تلك الوقفة فقط إلى صلتها بالجملتين السابقتين لنتعرف -بمجرد النظر في الأسلوب- الأحوال التي تريد الآية أن تضع لها أحكامها من جهة الطهارة واستباحة الدخول في الصلاة، وبهذه النظرة نجد آية الطهارة تسوق شرطيات ثلاثًا:

تخاطب المؤمنين أولًا، وتسوق لهم شرطيتين تبين فيهما حكم الحالة التي هم عليها بحسب الطبيعة والعادة، وهي حالة الإقامة، ووجود الماء والقدرة على استعماله، وترشدهم إلى أنهم إذا أرادوا الصلاة -وكانوا طبعًا على حالة من الحدث المنافي للصلاة- وجب عليهم أن يتطهروا طهارة صغرى إن كان الحدث أصغر، وهي الوضوء المذكور في الشرطية الأولى وهي قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦]. وطهارة كبرى إن كان الحدث أكبر وهي الغسل المذكور في الشرطية الثانية، وهي قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] وظاهر أن الحكم في هاتين الحالتين لم يدخل في حيثياته سوى الاعتبارات الطبيعية الجارية علي الناس بحكم العرف والعادة، ولم ينظر فيها إلى طاري عليهم من مرض أو سفر، أو فقدان ماء، أو عجز عن استعماله، وبعد هذا صار من الحتم


(١) ٥/ ١٢٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>