للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا التقعيد الذي جعله حلًا لهذه الخلافات، لم يكتف الشيخ بهذا، بل يتعقب الرازي في إشكالات أوردها هذا الأخير وأجاب عليها، ليضعف ما قال، وسأكتفي بواحد منها دون أن أناقشه في تخطئته للرازي ورده عليه. فهذا لا يهمني هنا، وإن كانت مناقشته -في رأيي-، أمرًا لا يسلم له.

قال الشيخ: (وقد أورد الرازي في تفسير الآية إشكالات شرعية، وأجاب عنها أجوبة ضعيفة، قال- الأول: كفر ساعة كيف يوجب عقاب الأبد على نهاية التغليظ (جوابه) أنه كان الكافر على عزم أنه لو عاش أبدًا لبقي على هذا الاعتقاد أبدًا، فلما كان ذلك العزم مؤبدًا، عوقب عقاب الأبد، خلاف المسلم المذنب، فإنه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب، فلا جرم، كانت عقوبته منقطعة.

ونقول في الرد عليه:

أولًا: إننا لا نسلم أن كل كافر يعزم أو يخطر بباله العزم المذكور، ولا سيما من عرضت له عقيدة أو فعلة مما عدوّه كفرًا، ساعة من الزمان ومات عليها. والكفر عند المتكلمين والفقهاء، لا ينحصر في جحود العناد، وربما كان أكثر الكفار يعتقدون أنهم مؤمنون ناجون عند الله تعالى.

ثانيًا: إن كون العقاب الأبدي على العزم المذكور يحتاج إلى نص، والعقل لا يوجبه، بل لا يوجب عند الأشعرية حكمًا ما من أحكام الشرع. وهذا الإشكال لا يرد على ما جرينا عليه هنا، تبعًا لما وضحناه مرارًا، من كون الجزاء على قدر تأثير الاعتقاد والعمل في النفس.

ثالثًا: قد تنصل بعض العلماء من هذا الإشكال، بمثل ما نقلناه في تفسير {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٢٨]، وهو يرجع إلى قولين:

أحدهما: نفي كون العذاب أبديًّا لا نهاية له.

<<  <  ج: ص:  >  >>