وهو يتحدث عن البعث وآراء العلماء فيه مبينًا ما يراه، وهو كلام رأيت أن أتحفك به أيها القارئ الكريم مع ما فيه من طول نفس كما قلت، فاصبر على قراءته وأفدِ منه، فإن فيه خيرًا كثيرًا. يقول:
{كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي مثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة بإحيائها بالماء نخرج الموتى من البشر وغيرهم. فالقادر على هذا قادر على ذاك. لعلكم تذكرون هذا الشبه فيزول استبعادكم للبعث الذي عبرتم عنه بقولكم: من يحيي العظام وهي رميم؟ أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أننا لمبعوثون؟ أننا لمدينون؟ ذلك رجع بعيد. وأمثال هذه الأقوال الدالة على أن إنكاركم لا منشأ له إلا ما تحكمون به بادي الرأي من امتناع خروج الحي من الميت، ذاهلين عن خروج النبات الحي من الأرض الميتة، وعن عدم الفرق بين حياة النبات وحياة الحيوان، في خضوعها لقدرة الرب الخالق لكل شيء، فوجه الشبه في الآية هو إخراج الحي من الميت، والحي في عرفهم يعرف بالنماء والتغذي كالنبات، وبالحس والتحرك والإدراك كالحيوان.
فإن قيل إن العلم قد أثبت أن الحي لا يولد إلا من حي سواء في ذلك النبات والحيوان بأنواعه من أدنى الحشرات إلى أعلاها، فالنباتُ الذي يخرج من الأرض القفراء بعد سقيها بالماء، لا بد أن يكون له بذور أو جذور فيها حياة كامنة لا تظهر من مكمنها إلا بالماء، كما أن البيوض التي يتولد منها الحيوان -أدناها كالصئبان وبذور الديدان، وأوسطها كبيض الطير والحيات، وأعلاها كبيوض الأرحام- كلها ذات حياة لا تنتج إلا بتلقيح ماء الذكور لها؟
قلنا إن هذه الحياة لم تكن معروفة عند واضعي اللغة فهي اصطلاح جديد، وأهل اللغة خوطبوا بعرفهم في الحياة والموت ففهموا، بل إن قول هؤلاء العلماء لا ينفي صحة خروج النبات الحي من الأرض الميتة، فلولا تغذى البذور والجذور بمواد الأرض الميتة بسبب الماء لما نبتت، على أن بعض المتكلمين والمفسرين