للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا إن الإنسان يبلى كله إلا عجب الذنب، وهو أصل الذنب المسمى بالعصعص، أو رأس العصعص، فهو كنواة النخلة تبقى فيه الحياة كامنة بعد فناء الجسم، وإن الله تعالى ينزل من السماء ماء فينبت الناس من عجب الذنب كما ينبت البقل. فهؤلاء يرون أن ذلك المطر يفعل فيه ما يفعل هذا المطر في الحب والنوى، وليس لهذا القول أصل صريح (١) يعد حجة قطعية في مسألة اعتقادية غير معقولة المعنى كهذه ولكن ورد في الآحاد من حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما ما يثبت بقاء عجب الذنب قال -صلى الله عليه وسلم- (ما بين النفختين أربعون ... ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب فيه يركب الخلق) هذا لفظ البخاري للمرفوع. وزاد مسلم بعد قوله أربعون (ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل (قال) وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظمًا واحدًا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة، وهو غير صريح فيما تقدم، ولكن جاء في تفسيري الثعلبي وابن عطية عن أبي هريرة: أن بين النفختين أربعين عامًا، يرسل الله فيها على الموتى مطرًا كمني الرجال من ماء تحت العرش يسمى ماء الحيوان، فينبتون من قبورهم بذلك المطر، كما ينبت الزرع من الماء ثم ينفخ فيهم الروح عند النفخة الثانية، بالنفخة الأولى لا يصح فيه شيء مرفوع عنه ولا عن غيره، ويعارضه كون الأرض تصير بالنفخة الأولى كما يأتي قريبًا هباء منبثا، وهذا قطعي وهو يعارض المرفوع أيضًا، فإن لم يمكن الجمع بينهما كان ذلك مطعنًا في صحة الحديث.

وقد اختلف العلماء في حديث الشيخين نفسه فأخذ به الجمهور على إطلاقه وإجماله، وأول بعضهم كون عجب الذنب لا يبلى بطول بقائه لا أنه لا يفنى مطلقًا، ذكره الحافظ في شرحه للحديث من الفتح، وفوض بعضهم معناه وسره


(١) يستدرك الشيخ رشيد هنا في الحاشية فيقول:
في الطبعة الأولى أنه ليس له أصل صحيح من الكتاب والسنة وهو سهو غريب منه ونسيان لحديث الشيخين الذي كنا قرأناه مرارًا ولذلك استدركنا عليه بالتفصيل الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>