إلى الله تعالى وخالف الإمام المُزني صاحب الشافعي فقال بفنائه كما قال صاحب الجوهرة.
عجب الذنب كالروح لكن صححا ... المزني للبلى ورجحا
وإنما يقال لأهل العلم بالنبات وبالحياة النباتية والحيوانية: إنكم تقولون بأن الأرض كانت كرة نارية ملتهبة. وإن الأحياء الأولى وجدت فيها بالتولد الذاتي الذي انقطع بعد ذلك بتسلسل الأحياء، لأن طبيعة الأرض لم تبق مستعدة له كما كانت، وهي قريبة العهد بالتكوين، وقد نطق القرآن الحكيم بأن الأرض تفنى بتفرق مادتها، ثم يعيدها الله كما بدأها، قال تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبَال بَسًّا (٥) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: ٤ - ٦] فهذه الرجة هي التي سماها في سور أخرى بالقارعة والصاخة، والمعقول أن كوكبًا يقرعها باصطدامه بها فتتفتت جبالها وتكون كالهباء المتفرق في الجو، وهو ما يسمونه بالسديم، وقال تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا}[الأنبياء: ١٠٤] والأشبه أن تشبيه الإعادة بالبدء إنما هو بالإجمال دون التفصيل: فكما خلق الله جسد الإنسان الأول خلقًا ذاتيًا مبتدأ، ثم نفخ فيه الروح -يخلق أجساد جميع أفراد الإنسان خلقًا ذاتيًا معادًا، ثم ينفخ فيها أرواحها التي كانت بها أناسي في الحياة الدنيا، لا أنه يجعلها متسلسلة بالتوالد من ذكر وأنثى كالنشأة الأولى، إذ كانت الأجساد كاللباس للأرواح أو السكن لها، وإذا كان الناس قد بلغوا من علم الكيمياء أن يحللوا بعض المواد المركبة من عناصر كثيرة ثم يركبوها، أفيعجز خالق العالم كله أو يستبعد على قدرته أن يعيد أجساد ألوف الألوف مرة واحدة؟ وأي فرق عنده بين القليل والكثير، وهو على كل شيء قدير؟ .
على أنه قد ثبت عند الروحيين من علماء الكون في هذا العصر، وما قبله أن الله تعالى قد أعطى الأرواح المجردة قدرة على التصرف في مادة الكون بالتحليل والتركيب، وإنها بذلك تركب لنفسها من هذه المادة جسمًا لطيفًا أو كثيفًا تحل فيه