للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ما نزل به غير مقلع عنه، فالفقر لا يعقبه غنى، والمرض لا تخلفه صحة، والخوف لا ينسخه أمن، وكثيرًا ما قاده يأسه هذا إلى ارتكاب معصية أو منكر وقتل نفسه أحيانًا. {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ} وتيسرت له أسباب الرغد وغضارة العيش، فأصبح غنيًّا موسعًا عليه في الرزق صحيح الجسم معافى، موقور الجانب نافذ الكلمة، ذا جاه ومنصب كان إذ ذلك {مَنُوعًا}، يمنع الناس رفده ومعونته والانتفاع بجاهه، فهو من غلبة هذا الخلق عليه، يحسب أن ما أوتيه من الخير والرزق والنعمة، لم يؤت إلا لكلونه مستحقًّا له بذاته لا بفضل الله، فيطغى على الناس، ويكفر النعم، فلا يشكر لله عليها بوضعها في مواضعها، بل قد يستخف بها أحيانًا، فيحسب أنه مستحق لأكثر منها، وربما تدرج من هنا إلى إيذاء خلطائه والبغي عليهم، وغمط حقوقهم، وهذا هو البطر، وصاحبه هو المنوع الذي حكى الله عنه في هذه الآية.

خلق الإنسان، منذ أول نشأته، مفطورًا على (الهلع)، ولكنه تعالى لطف به، فخلق في نفسه إلى جانب هذا الهلع مواهب سامية، كالعقل وغريزة التدين، وكآيات الوحي (١)، التي كان يتلقاها الأنبياء، فيعالجون بها ضعف الإنسان ويلطفون من سورة هلعه، ومن ذلك الصلاة التي هي عماد التدين، وأكبر مظهر من مظاهر عاطفته، وهذا معنى قوله: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ}، استثناهم من أفراد الإنسان الملوثين بالهلع، فالمصلون بما واظبوا على صلواتهم، وتعرضوا لنفحات ربهم، وهم يناجون فيها -فلا يجزعون إذا مسهم الشر، ولا يمنعون إذا مسهم الخير) (٢).

جـ - ويقول في تفسير قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧)} [الإنسان: ٧] من سورة الإنسان (٣): (أما الخصلة الثالثة التي استحق بها الأبرار


(١) هذه العبارة دليل على تأثره بالاعتزال كما سيظهر فيما بعد.
(٢) تفسير جزء تبارك ص ١٠٩ - ١١٠.
(٣) ص ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>