د - وها هو الشيخ عبد القادر رحمه الله، يجلى لنا روعة البيان القرآني في تشبيهاته، بأسلوب جذاب فيه الحركة والحيوية موشيًا ذلك بأقوال العرب في أشعارها، نستمع إليه عند تفسير قول الله {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمَالتٌ صُفْرٌ (٣٣)} من سورة المرسلات يقول: فهم المخاطب من أوصاف الظل في الآية السابقة أنه ظل جهنمي، وأن المراد به الدخان المنعقد في سماء جهنم، فلم يتردد في كون ضمير (إنها ترمي المؤنث) -عائدًا إلى جهنم أو دار العذاب، على أنه يصح أن يرجع الضمير المذكور إلى قوله (ثلاث شعب)، التي قلنا إن المراد بها ذوائب اليحموم المتكاثف، في سماء تلك الدار، فهو دخان لا كالدواخن المعقودة، وله صفات غريبة غير معهودة، من ذلك (أنها) أي شعب اليحموم وذوائبه (ترمي) على المستظلين بها من آونة إلى أخرى.
(بشرر) جمع شررة، وهي ما يتطاير من النار أثناء تلظيها، وكل واحدة من هذا الشرر (كالقصر) أي كالبيت المبني، وقد يستعظم السامع هذا الوصف، ويستغرب تشبيه الشرر بالقصر، لأنه إنما يفهم من القصر حسب المشهور في معناه -البناء العظيم المشرف، فيقول: كيف تكون الشررة الواحدة المتساقطة من ذلك الدخان، أو من تلك النيران كالقصر؟ بل ربما ذهب خياله إلى قصور الملوك الباذخة ذات الشرف والقمم والأبراج الشامخة، فيستغرب الوصف ويستبعد الأمر، ولكن القصر إن كان يطلق في لغة العرب على هذا الضرب من المساكن الشامخة، فإنه يطلق على كل بيت من حجر ولو كان صغيرًا لائطًا. بل قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (إن تشبيه الشرر بالقصور وارد على ما هو المعتاد في بلاد العرب، من جعل قصورهم قصيرة السمك -أي قليلة الارتفاع- جارية في هيئاتها وشكلها مجرى الخيام) وقد لمح أبو العلاء المعري