للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرها عند عامة الناس يومئذ، أما النجوم الثوابت الأخر، فلم يكن يتيسر لهم أو ينتظر منهم، أن يرجعوا البصر فيها ليروا ما فيها من تفاوت أو إحكام، وذلك لبعدها الشاسع عن متناول الحس، وعدم معرفة الأوائل ما عرفه المتأخرون من طبائعها وأحوالها وأما فلكا (أورانس) و (نبتون) فلم يكونا اكتشفا بعد في ذلك العهد، فلو أحال الله البشر في قرآنه على ما لم يمكنهم النظر فيه، والإحاطة علمًا بأمره من النجوم الثوابت، والفَلَكَيْن المذكورين -لكانت إحالته عبثًا، وتكليفه محالًا، وقد أبى الله سبحانه وتعالى لنا ذلك في منزل وحيه، ومحكم شرعه، تفضلًا منه ورحمة) (١).

وفي سورة نوح عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه، وعند تفسير قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (١٥)} [نوح: ١٥] يقرر هذا المعنى، ويقول: (إن قوم نوح قد عرفوا هذا، لأنهم كانوا ذوي خبرة في الكواكب). هذا ما يقرره الشيخ عبد القادر رحمه الله، ومن تتبع آي القرآن يجد أن تحديد السماوات بسبع، قد قرر كثيرًا في القرآن بأساليب مختلفة. مثل قوله تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: ٢٩]، ومثل قوله {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [الملك: ٣]، ومثل قوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ} [المؤمنون: ٨٦]، وفي كل هذا وضوح دلالة على أن تقرير القرآن، لم يكن القصد منه، مجاراة معارف الناس في ذلك الحين، وإنما هي حقائق قرآنية دونها حقائق العلوم على اختلافها.

ويقيني أن تحديد السماوات بسبع، ليس تحديدًا بشريًا، أي ليس البشر هم الذين وصلوا إليه بمعارفهم كما يقول الأستاذ، وإنما أصل المسألة الوحي الإلهي، وأنا أشك كل الشك في أن قوم نوح استطاعوا أن تصل معارفهم إلى اكتشاف الكواكب السيارة وغيرها، فخبر السماوات إذن وأصلها وعددها، إنما


(١) تفسير جزء تبارك ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>