تفقهوا بالفلسفة أولوا هذه الأوصاف بما يوافق التجرد في ذاته، وكذلك يجب أن نفعل .. ).
وهذا القول من الأستاذ الأكبر يستدعي الدهشة والعجب من وجهين اثنين: أما أولًا فإن النظريات العلمية لا ينبغي أن نقف منها موقف الخائف الوجل، وأن نكون أمامها مستضعفين نجعلها أصلًا يقاس عليها، ولو أن هذا الذي نقيسه رأيٌ لمجتهد أو قولٌ لفقيه أو أثرٌ لتابع أو صحابي لهان الأمر، أما أن نقيس على تلك النظريات كلام الحكيم الحميد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهذا أمر لا يقبل من أحد، وهذا لا يعدو في رأينا أن يكون شعورًا بالهزيمة ولو داخليًا أمام المادة وعلمائها، الذين أرادوا أن يجرف تيارهم كل أثر للدين.
ثم ما هي هذه النظريات العلمية التي خالفت نصًّا من نصوص القرآن؟ إن معنى كونها نظرية أنها لا زالت محل نظر، كنظرية (داروين) مثلًا وكنظريات علماء الفلك والتاريخ وطبقات الأرض، إن موقفنا ينبغي أن يكون حاسمًا وحازمًا في هذه القضية، فنجعل القرآن هو الأصل، ونوقن في أنفسنا أن هذا القرآن الذي يقول عنه منزله تعالى:{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}[الإسراء: ١٠٥]، لا يمكن أن يتناقض، لا في نفسه ولا مع مسلمات العلم التي أودعها الله في هذا الكون، فالطبيعة بقوانينها كتاب الله المرئي، والقرآن كتابه المتلو، وبغير هذا اليقين سنعرض النص القرآني لهزات عنيفة، لا يعلم خطورة نتائجها إلا الله، وأولو الغيرة على هذا الدين.
ولقد رأينا كثيرين من أساتذتنا الفضلاء، وقفوا موقف المتردد، فالأستاذ المرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار مثلًا في كتابه (قصص الأنبياء) حين يتكلم عن قصة آدم عليه السلام يعرض لنظرية داروين، ويقول إنه إن ثبتت تلك النظرية فلا منافاة بينها وبين القرآن، إذ يمكن أن نؤول الآيات.
وأنا أقول: رحم الله الأستاذ وعفا عنه، وليطب نفسًا، فإن آي القرآن ستبقى الوثيقة الخالدة الوحيدة، وستبلى هذه النظريات كما بلى أصحابها.