للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان في الملك وتوابعه نقيصة، نقص عدد أتباع رعيته، ففي اختيار اللَّه له صلى اللَّه عليه وسلّم أن أمده بكل ما بالملوك إليه حاجة، ليدعو الناس إلى اتباعه، ولذلك قال قوم شعيب: ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ [ (١) ] الآية. وقال فرعون لموسى: أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ [ (٢) ] ، فأزرى فرعون به ليثبط بذلك القوم عن اتباعه، حتى شكا موسي إلى اللَّه تعالي وسأله أن يحل العقدة عن لسانه ليفقهوا قوله، وقال: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [ (٣) ] ، فدل ذلك على أن الملك لا يجعل إلا في أهل الكمال والمهابة، وهاتان الخصلتان لا توجدان في غير ذوي الأحساب.

فجل اللَّه تعالي لنبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من الحظوظ أوفرها، ومن السهام أوفاها وأكثرها، ولذلك

قال عليه السلام فأنا من خيار إلى خيار،

وجعله أيضا من أفضل البقاع مولدا ومسكنا ومخرجا، وهي البقعة التي افترض اللَّه على جميع الموحدين من المستطيعين حجّها، فكان بهذا أيضا أفضلهم نفسا وحسبا ودارا صلى اللَّه عليه وسلّم، ولذلك سأل هرقل أبا سفيان بن حرب عن حسبه فقال: كيف حسبه فيكم؟ فقال: هو من أوسطنا حسبا، فقال له هرقل: كذلك الأنبياء.

***


[ (١) ] هود: ٩١.
[ (٢) ] الزخرف: ٥٢.
[ (٣) ] القصص: ٣٤.