للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وأما إبراهيم عليه السلام]

فإن اللَّه تعالى اختصه بمقام الخلّة، فقال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [ (١) ] ، وكسّر عليه السلام أصنام قومه التي كانت آلهتم التي يعبدونها من دون اللَّه غضبا لربه تعالى، وحجبه من نمروذ بحجب ثلاثة، وقصم عليه السلام نمروذ ببرهان نبوته فبهته، وبنى عليه السلام البيت.

وقد آتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك كله بمزيد شرف وأجل تكريم، فالخلة مقامه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيها أكمل مقام،

ثبت من طرق عديدة عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل اللَّه.

وقد ثبت في صحيح مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة، ومن طريق أبي مالك عن ربعي بن خراش، عن حذيفة قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجمع اللَّه الناس فيقوم المؤمنون حتى يزلف لهم الجنة، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: يا أبانا، استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى أبيكم إبراهيم خليل اللَّه، قال: فيقول إبراهيم عليه السلام: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الّذي كلمه اللَّه تكليما، فيأتون موسى عليه السلام، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة اللَّه وروحه، فيقول عيسى عليه السلام: لست [بصاحب] [ (٢) ] ذلك، فيأتون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم فيقوم، فيؤذن له [ (٣) ] ...

وهذا يدل على أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أعطى [أعلى من] مقام الخلة، لأنه رفع له الحجاب، وكشف له الغطاء، ولو كان خليلا من وراء وراء، لاعتذر كما اعتذر إبراهيم عليه السلام، فإذا منصب المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم هو [الأعلى] ، من مفهوم قول إبراهيم عليه السلام: إنما كنت خليلا من وراء وراء ولم يشفع، فدلّ [على] أنه إنما يشفع من كان خليلا لا من وراء وراء، مع الكشف والعيان، وقرب المكانة من حضرة القدس لا المكان، وذلك مقام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم.


[ (١) ] النساء: ١٢٥.
[ (٢) ] زيادة للسياق.
[ (٣) ] سبق تخريجه وشرحه.