للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ

[ (١) ] وروى إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق، وروى الواقدي أيضا من حديث عبد اللَّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسيّ- وله حلف في قريش- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة [مما] [ (٢) ] هم فيه، وجعلت قريش حين منعه اللَّه منهم يحذرونه الناس، ومن قدم عليهم من العرب.

وكان الطفيل بن عمرو الدوسيّ يحدث أنه قدم مكة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها، ومشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا له:

يا طفيل! إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الّذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرق جماعتنا، وإنما قوله كالسّحرة، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمع منه، قالوا: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا [ (٣) ] ، فرقا أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه.

قال: فغدوت المسجد، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال:

فقمت قريبا منه، فأبى إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاما حسنا قال: فقلت في نفسي: وا ثكل أمي، واللَّه إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الّذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، قال: فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيته، فأتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد! إن قومك قالوا لي: كذا وكذا، فو اللَّه ما برحوا يخوفوننى أمرك حتى سددت أذني


[ (١) ] هو الطّفيل بن عمرو الدوسيّ، صاحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، كان سيدا مطاعا من أشراف العرب، ودوس بطن من الأزد، وكان الطفيل يلقب ذا النور، أسلم قبل الهجرة بمكة. له ترجمة مطولة في: (سير أعلام النبلاء) : ١/ ٣٤٤- ٣٤٧، ترجمة رقم (٧٥) ، (طبقات ابن سعد) : ٤/ ٢٣٧، (طبقات خليفة) : ١٣/ ٢٢٤، (تاريخ خليفة) : ١١١، (الجرح والتعديل) : ٤/ ٤٨٩.
[ (٢) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .
[ (٣) ] الكرسف: القطن.