للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان: اللون لون الدم والريح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقرّ في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزمة مني.

فنادى فيهم سعد، عزمة من رسول اللَّه ألا يتبع رسول اللَّه جريح من بني عبد الأشهل، فتخلف كل مجروح. فباتوا يوقدون النيران ويداوون الجراح، وإن فيهم لثلاثين جريحا، ومضى سعد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاء بيته فما نزل عن فرسه إلا حملا، واتكأ على سعد بن عبادة وسعد بن معاذ حتى دخل بيته، فلما أذّن بلال بصلاة المغرب خرج على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين فصلى ثم عاد إلى بيته.

[خبر البكاء على حمزة]

ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه فساقهن حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبكين حمزة رضي اللَّه عنه بين المغرب والعشاء، والناس في المسجد يوقدون النيران يتكمدون [ (١) ] بها من الجراح. وأذّن بلال رضي اللَّه عنه حين غاب الشفق فلم يخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس بلال عند بابه حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه الصلاة يا رسول اللَّه،

فهب صلّى اللَّه عليه وسلّم من نومه وخرج، فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل، وسمع البكاء فقال: ما هذا؟ فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة. فقال: رضي اللَّه عنكن وعن أولادكن، وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن، فرجعن بعد ليل مع رجالهن.

وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء ثم رجع إلى بيته، وقد صفّ له الرجال ما بين بيته إلى مصلّاه يمشي وحده حتى دخل، وباتت وجوه الأوس والخزرج على بابه يحرسونه فرقا [ (٢) ] من قريش أن تكر، ويقال: إن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه جاء بنساء بني سلمة، وجاء عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه عنه بنساء بلحارث [بن الخزرج] [ (٣) ]

فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أردت هذا! ونهاهن الغد عن النوح أشد النهي.

[شماتة المنافقين]

وجعل عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول والمنافقون يشمتون معه ويسرّون بما أصاب


[ (١) ] الكمادة: خرقة تسخّن وتوضع على الورم أو موضع الوجع (المرجع السابق) ج ٢ ص ٧٩٨.
[ (٢) ] فرقا: خوفا.
[ (٣) ] زيادة للإيضاح.