للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نادى مناديه: من كان عنده بقية زاد فلينثره على الأنطاع. فكان منهم من يأتي بالتمرة الواحدة وأكثرهم لا يأتي بشيء، ويؤتى بالكف من الدقيق والكف من السّويق، وذلك كله قليل.

فلما اجتمعت أزوادهم وانقطعت موادهم مشى صلّى اللَّه عليه وسلّم إليها فدعا فيها بالبركة، ثم قال: قربوا بأوعيتكم.

فجاءوا بأوعيتهم، فكان الرجل يأخذ ما شاء من الزاد حتى إنّ أحدهم ليأخذ ما لا يجد له محملا.

[المطر]

ثم أذّن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل ونزلوا معه فشربوا من ماء السماء، وقام صلّى اللَّه عليه وسلّم فخطبهم. فجاء ثلاثة نفر، فجلس اثنان وذهب واحد معرضا،

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا أخبركم خبر الثلاثة؟

قالوا: بلى، يا رسول اللَّه! قال: أما واحد فاستحيا فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فتاب فتاب اللَّه عليه، وأما الثالث فأعرض فأعرض اللَّه عنه.

سؤال عمر وسكوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن جوابه، ونزول سورة الفتح

وبينا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال: ثكلتك أمك يا عمر! بدرت [ (١) ] رسول اللَّه ثلاثا، كل ذلك لا يجيبك! وحرك بعيره حتى تقدم الناس، وخشي أن يكون نزل فيه قرآن، فأخذه ما قرب وما بعد: لمراجعته بالحديبية وكراهته القضية. وبينا هو يسير مهموما متقدما على الناس، إذ منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينادي: يا عمر بن الخطاب! فوقع في نفسه ما اللَّه به أعلم، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم، فردّ عليه السلام وهو مسرور ثم

قال: أنزلت عليّ سورة هي أحب مما طلعت عليه الشمس. فإذا هو يقرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [ (٢) ] ،

فأنزل اللَّه في ذلك سورة الفتح، فركض الناس وهم يقولون:

أنزل على رسول اللَّه! حتى توافوا عنده وهو يقرؤها. ويقال: لما نزل جبريل عليه


[ (١) ] في (خ) «نذرت» وأيضا في (الواقدي) ج ٢ ص ٦١٧، وفي (ط) بدرت: بمعنى عجلت إليه.
[ (٢) ] أول سورة الفتح.