للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما سائر الأخبار التي ذكرناها عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها وابن عباس وغيرهما فإنّها دلت على أن آخر السورة نسخ أولها فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته بنزول آخر السورة

فذهبوا إلى أن قوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [ (١) ] اختيار لا إيجاب فرض. قال محمد بن نصر: وهذا أولى القولين عندي بالصواب، وكيف يجوز أن تكون الصلوات الخمس مفروضات في أول الإسلام، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة، فرضت عليه ليلة أسرى به، والأخبار التي ذكرناها تدل على أن قوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ إنما نزل بالمدينة، ونفس الآية تدل على ذلك؟

قوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (٢) ] والقتال في سبيل اللَّه إنما كان بالمدينة، وكذلك قوله- تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ* والزكاة إنما فرضت بالمدينة.

وفي حديث جابر: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثهم في الجيش وقد كان كتب عليهم قيام الليل، وبعثه الجيوش لم يكن إلا بعد قدوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، قال- تعالى-:

ما تَيَسَّرَ*، يدل على أنه ندب واختيار وليس بفرض. انتهى.

قال مؤلفه: وقال عمر بن نصر: لم يخف على الشافعيّ شيء مما قلت، وإنما أرادوا- واللَّه أعلم- أن هذه الآية نسخت بنزولها قيام الليل، أو بقول اللَّه- تعالى- فيها: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، فتأمله تجده كذلك.


[ (١) ] المزمل: ٢٠.
[ (٢) ] المزمل: ٢٠.