[ (٢) ] الحجر: ٧٢. [ (٣) ] فيها ثلاث مسائل: المسألة الأولى: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم اللَّه هنا بحياة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم تشريفا له، أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يتردّدون، قالوا: روى عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: ما خلق اللَّه وما ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وما سمعت اللَّه أقسم بحياة أحد غيره، وهذا كلام صحيح. ولا أدري ما الّذي أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وما الّذي يمنع أن يقسم بحياة لوط، ويبلغ به من التشريف ما شاء؟ فكل ما يعطى اللَّه للوط من فضل، ويؤتيه من شرف، فلمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ضعفاه، لأنه أكرم على اللَّه منه، أولا تراه قد أعطى لإبراهيم الخلّة، ولموسى التكليم، وأعطى ذلك لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فإذا أقسم اللَّه بحياة لوط، فحياة محمد أرفع، ولا يخرج من كلام إلى كلام آخر غيره لم يجر له ذكر لغير ضرورة. المسألة الثانية: قوله: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ، أراد به الحياة والعيش، يقال: عمر، وعمر بضم العين وفتحها لغتان، وقالوا: إن أصلها الضم، ولكنها فتحت في القسم خاصة لكثرة الاستعمال، والاستعمال إنما هو غير القسم، فأما القسم فهو بعض الاستعمال، فلذلك صارا لغتين، فتدبروا هذا. المسألة الثالثة: قال أحمد بن حنبل: من أقسم بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم لزمته الكفارة، لأنه أقسم بما لا يتم الإيمان إلا به، فلزمته الكفارة، كما لو أقسم باللَّه تعالى. وقدّمنا أن اللَّه تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به، لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من كان حالفا فليحلف باللَّه أو ليصمت» ، فإن أقسم بغيره فإنه آثم، أو قد أتى مكروها على قدر درجات القسم وحاله. وقد قال مالك: إن المستضعفين من الرجال والمؤمنين منهم، يقسمون بحياتك وبعيشتك، وليس من كلام أهل الذكر، وإن كان اللَّه أقسم به في هذه القصة، فذلك بيان لشرف المنزلة، وشرف المكانة، فلا يحمل عليه سواه، ولا يستعمل في غيره. وقال قتادة: هو من كلام العرب، وبه أقول، لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال، وردّ القسم إليه. (أحكام القرآن لابن العربيّ) : ٣/ ١١٣٠- ١١٣١.