للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عير قريش وما فيها]

وكانت العير ألف بعير فيها أموال عظام، ولم يبق بمكة قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعثت به في العير، فيقال: إن فيها لخمسين ألف دينار، ويقال:

أقل. فأدركهم رجل من جذام بالزرقاء من ناحية معان [ (١) ]- وهم منحدرون إلى مكة- فأخبرهم أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم قد كان عرض لعيرهم في بدأتهم، وأنه تركه مقيما ينتظر رجعتهم وقد حالف عليهم أهل الطريق ووادعهم.

[خوف أصحاب العير وإرسالهم إلى مكة يستنجدون]

فخرجوا خائفين الرّصد، وبعثوا ضمضم بن عمرو حين فصلوا من الشام- وكانوا قد مروا به وهو بالساحل معه بكران فاستأجروه بعشرين مثقالا- وأمره أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية أن يخبر قريشا أن محمدا قد عرض لعيرهم، وأمره أن يجدّع [ (٢) ] بعيره إذا دخل مكة، ويحول رحلة [ (٢) ] ، ويشق قميصه من قبله ودبره [ (٢) ] ، ويصيح: الغوث الغوث، ويقال: بعثوه من تبوك. وكان في العير ثلاثون رجلا من قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل فلم يرع أهل مكة إلا وضمضم يقول: يا معشر قريش، يا آل لؤيّ بن غالب، اللطيمة [ (٣) ] ، قد عرض لها محمد في أصحابه، الغوث الغوث، واللَّه ما أرى أن تدركوها. وقد جدّع أذني بعيره، وشق قميصه، وحوّل رحله.

[تأهب قريش لنجدة العير]

فلم تملك قريش من أمرها شيئا حتى نفروا على الصعب والذلول، وتجهزوا في ثلاثة أيام، ويقال في يومين، وأعان قويّهم ضعيفهم. وقام سهيل بن عمرو، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وحنظلة بن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، يحضون الناس، فقال سهيل: يا آل غالب، أتاركون أنتم محمدا


[ (١) ] الزرقاء: موضع بالشام بناحية معان، ... وهي أرض شبيب التبعي الحميري، (معجم البلدان) ج ٣ ص ١٣٧.
[ (٢) ] أي يقطع أذنيه إنذارا بالشّر، وهذا كله من عاداتهم في الإنذار بالشّر.
[ (٣) ] اللطيمة: عير تحمل المسك والبز وغيرهما للتجارة (المعجم الوسيط) ج ٢ ص ٨٢٧ وفي (البداية والنهاية) ج ٣ ص ٢٥٨ «اللطيمة اللطيمة» .