للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السادسة والخمسون: كان له صلى اللَّه عليه وسلّم إذا نسي الاستثناء أن يستثنى له إذا ذكر وليس لغيره أن يستثنى إلا في صلة اليمين

خرج الطبراني في (معجمه الكبير) من طريق الوليد بن مسلم قال:

حدثنا عبد العزيز بن حسين عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: [واذكر ربك إذا نسيت] [ (١) ] قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثنى، إذا ذكرت الاستثناء وذكر ابن شاهين أن من جمله شعب الإيمان الاستثناء في كل كلام وأورد بسند ضعيف عن أبى هريرة يرفعه لا يتم إيمان المرء حتى يستثنى في كل حديث أو قال: في كل كلامه [ (٢) ] .


[ (١) ] الكهف: ٢٤.
[ (٢) ] قال صاحب التحرير والتنوير إن المشركين لما سألوا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد، ولم يقل «إن شاء اللَّه» فلم يأته جبريل عليه السلام- بالجواب إلا بعد خمسة عشر يوما. وقيل: بعد ثلاثة أيام كما تقدم، أي فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتابا، رمزيا من اللَّه لرسوله صلى اللَّه عليه وسلّم، كما عاقب سليمان- عليه السلام فيما رواه البخاري: «أن سليمان قال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل واحدة ولدا يقاتل في سبيل اللَّه، فلم تحمل منهن إلا واحدة ولدت شق غلام» . ثم كان هذا عتابا صريحا فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول «إن شاء اللَّه» كما نسي سليمان، فأعلم اللَّه رسوله بقصة أهل الكهف، ثم نهاه عن أن يعد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة اللَّه.
ومقتضى كلام الكسائي والأخفش والفراء أنه مستثنى من جمله «إني فاعل ذلك غدا» فيكون مستثنى من كلام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. المنهي عنه، أي إلا قولا مقترنا ب (إن شاء اللَّه) فيكون المصدر المنسبك من (أن) ، والفعل في محل نصب على نزع الخافض وهو باء الملابسة. والتقدير: إلا ب (إن شاء اللَّه) . أي بما يدل على ذكر مشيئة اللَّه. لأن ملابسة القول الحقيقية المشيئة محال، فعلم أن المراد تلبسه بذكر المشيئة بلفظ (إن شاء اللَّه) ونحوه.
فالمراد بالمشيئة إذن اللَّه له.
وقد جمعت هذه الآية كرامة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، من ثلاث جهات: