للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استنفروا لك، وهم يقسمون باللَّه لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين: إما أن تجتاح قومك- فلم نسمع برجل اجتاح أصله قبلك- أو بين أن يخذلك من نرى معك، فإنّي لا أرى معك إلا أوباشا [ (١) ] من الناس لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، فغضب أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه وقال: امصص ببظر اللات! أنحن نخذله؟ فقال: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك! وطفق عروة يمس لحية رسول اللَّه وهو يكلمه، والمغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك قائم على رأسه بالسيف، فقرع يد عروة [وهو عمه] وقال: اكفف يدك عن مس لحية رسول اللَّه قبل ألا تصل إليك، فلما فرغ عروة من كلامه، ورد عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قال لبديل بن ورقاء، عاد إلى قريش فقال: يا قوم، قد وفدت على كسرى وهرقل والنجاشي، وإني واللَّه ما رأيت ملكا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، واللَّه ما يشدون [ (٢) ] إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلا أن يشير إلى امرئ فيفعل، وما يتنخّم وما يبصق إلا وقعت في يدي رجل منهم يمسح بها جلده، وما يتوضأ من وضوء إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيء. وقد حزرت القوم، واعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قوما لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم، واللَّه لقد رأيت نسيّات [ (٣) ] معه، إن كنّ ليسلمنه أبدا على حال، فروا رأيكم. وقد عرض عليكم خطة، فمادوه [ (٤) ] يا قوم. أقبلوا ما عرض فإنّي لكم ناصح، مع أني أخاف ألا تنصروا عليه. رجل أتى هذا البيت معظّما له مع الهدي ينحره وينصرف! فقالوا: لا تكلم بهذا يا أبا يعفور! لو غيرك تكلم بهذا! ولكن نرده في عامنا هذا ويرجع إلى قابل.

بعثة مكرز بن حفص إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم

ثم جاء مكرز بن حفص بن الأخيف بن علقمة بن عبد الحارث بن الحارث ابن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر- فلما طلع

قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا رجل غادر (وفي رواية: هذا رجل فاجر)

وجاء،


[ (١) ] الأوباش والأوشاب بمعنى، وهم الأخلاط من الناس وغيرهم.
[ (٢) ] أي يحدون إليه النظر.
[ (٣) ] تصغير نسوة، للتقليل والتعظيم.
[ (٤) ] أي اجعلوا بينكم وبينه مدة هدنة.