وكان متّى في الأصل جابيا في كفر ناحوم، ودعي من موضع وظيفته، وكانت وظيفة الجباية محتقرة بين اليهود، إلا أنها أفادت متى خبرة بمعرفة الأشغال، ولم يذكر شيء من أتعابه في العهد الجديد إلا أنه كان من جملة الذين اجتمعوا في العلية بعد صعود المسيح، وزعم يوسيبيوس أنه بشر اليهود، ويرجّح أن مؤلف هذا الإنجيل هو متى نفسه، وذلك للأسباب الآتية: ١- يذكر لوقا أن متى صنع للسيد المسيح وليمة كبيرة في أول عهده بالتلمذة، أما متى فيذكرها بكل اختصار تواضعا. ٢- الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصّر. ٣- لا يعقل أن إنجيلا (خطيرا) كهذا هو في مقدمة الأناجيل، ينسب إلى شخص مجهول، وبالأحرى أن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح. ٤- يذكر بابياس- في القرن الثاني الميلادي- أن متى قد جمع أقوال المسيح. ٥- من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات، لأن هذا من أهم واجباته لتقديم الحسابات، وكذلك فإن هذا الإنجيليّ قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة. ويرجع أن هذا الإنجيل كتب في فلسطين لأجل المؤمنين من بين اليهود الذين اعتنقوا الديانة المسيحية. واختلف القول بخصوص لغة هذا الإنجيل الأصلية، فذهب بعضهم إلى أنه كتب أولا في العبرانية، أو الأرامية التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام. وذهب آخرون إلى أنه كتب في اليونانية كما هو الآن. أما الرأي الأول فمستند إلى شهادة الكنيسة القديمة، فإن آباء الكنيسة قالوا: أنه ترجم إلى اليونانية ويستشهدون بهذه الترجمة، فإذا سلمنا بهذا الرأى، التزمنا بأن نسلم بأن متى نفسه ترجم إنجيله، أو أمر بترجمته. أما الرأي بأن متى نفسه ترجم إنجيله العبراني، فيفسّر سبب استشهاد الآباء بالإنجيل اليوناني نفسه، فإن متى يوافق مرقس ولوقا في العظات، ويختلف عنهما أكثر ما يكون في القصة، ثم إن الآيات المقتطفة في العظات، هي من الترجمة السبعينية، وفي بقية القصة هي ترجمات من العبرانية. ولا بد أن هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أورشليم، وذهب بعض القدماء إلى أنه كتب في السنة الثامنة بعد الصعود، وآخرون إلى أنه كتب في الخامسة عشرة، ويظن (البعض) أن إنجيلنا الحالي