للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما استغناء أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ببركة اقتدائه في التعفف بقول المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم

فخرج البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أنس قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: أصابنا جوع ما أصابنا مثله قط في جاهلية ولا إسلام! فقالت لي أختي فريعة: اذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسله لنا، فو اللَّه يخيب سائله إنك منه بإحدى اثنتين: إما أن يكون عنده فيعطيك، وإما أن لا يكون عنده، فيقول: أعينوا أخاكم، فلم أكره ذلك، فلما دنوت من المسجد وهو يومئذ ليس له جدار، سمعت صوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: إن هذا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب، فكان أول ما فهمت من قوله

من يستعف يعفه اللَّه ومن يستغن يغنه اللَّه،

فقلت في نفسي:

ثكلتك أمك سعد بن مالك، واللَّه لكأنك أردت بهذا. لا جرم والّذي بعثك بالحق لا أسألك شيئا بعد ما سمعت منك، فجلست، فلما فرغ رجعت وفريعة تقبل وتدبر أقصى الآجام إلى بابه قد أدامها الجوع.

قال: فلما حصلت ببقيع الزبير أبصرت ليس معى شيء، فلما جئت قالت: مالك؟ فو اللَّه ما يخيب سائله، فأخبرتها بالذي سمعت منه. قالت:

فسألته بعد ذلك؟ قلت: لا، قالت: أحسنت، فلما كان من الغد فإنّي واللَّه لأتعب نفسي تحت الأجم إذ وجدت من دراهم يهود فابتعنا به وأكلنا منه، ثم واللَّه ما زال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محسنا [ (١) ] .

قال: رواه هلال بن حصن، عن أبي سعيد إلا أنه قال: فرجعت فما سألت أحدا بعده شيئا، فجاءت الدنيا فما من أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا.


[ (١) ] (دلائل البيهقي) : ٦/ ٢٩٠- ٢٩١، باب ما جاء في وعده من استعف بالإعفاف، ومن استغنى بالإغناء، ووجود صدقة أبي سعيد الخدريّ وغيره.
وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب (٢٠) الصبر عن محارم اللَّه، ومسلم في كتاب الزكاة، والإمام أحمد في (المسند) : ٤/ ٢٢٧.