للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مكة، فوقعت يد راحلته صلّى اللَّه عليه وسلّم على ثنية تهبط على غائط [ (١) ] ، فبركت، فقال المسلمون: حل حل [يزجرونها]- فأبت أن تنبعث، فقالوا: خلأت القصواء [ (٢) ] !

فقال: إنها ما خلأت، ولا هو لها بعادة، ولكن حبسها حابس الفيل، أما واللَّه لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة اللَّه إلا أعطيتهم إياها.

ثم زجروها فقامت، فولى راجعا حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد [ (٣) ] الحديبيّة [ظنون] قليل الماء.

[خبر جيشان الماء من الثمد]

واشتكى الناس قلة الماء، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الثمد، فجاشت لهم بالرواء حتى صدروا عنه بعطن، وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر. وكان الّذي نزل بالسهم ناجية بن جندب، وقيل: ناجية بن الأعجم، وقيل: خالد بن عبادة [ (٤) ] الغفاريّ، وقيل: البراء بن عازب.

[مقالة المنافقين في دليل النبوة]

وكان على الماء نفر من المنافقين، الجدّ بن قيس، وأوس [بن خوليّ] [ (٥) ] ، وعبد اللَّه بن أبي، فقال أوس بن خولي: ويحك يا أبا الحباب! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه! أبعد هذا شيء؟ فقال: إني قد رأيت مثل هذا. فقال أوس:

قبحك اللَّه وقبح رأيك! فأقبل ابن أبي [ (٦) ] يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أي أبا الحباب! أين رأيت مثل ما رأيت اليوم؟ فقال: ما رأيت مثله قط! قال: فلم قلت ما قلت؟ فقال عبد اللَّه بن أبي: أستغفر اللَّه. فقال ابنه: يا رسول اللَّه! استغفر له! فاستغفر له.


[ (١) ] الغائط: من الغوط، وهو المطمئن الواسع من الأرض (ترتيب القاموس) ج ٣ ص ٤٢٨.
[ (٢) ] خلأت الناقة خلئا: حرنت: (المعجم الوسيط) ج ١ ص ٢٤٨.
[ (٣) ] الثّمد: مكان اجتماع الماء، ثمد الماء: قلّ (المرجع السابق) ص ١٠٠.
[ (٤) ] في (خ) «عبادة» .
[ (٥) ] ظاهر العبارة يوهم أن أوس بن خولي من المنافقين، وهو ليس منهم، وما بين القوسين زيادة للبيان.
[ (٦) ] في (خ) «فأقبل أبي» .