للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منى فنزل بالأبطح حتى خرج إلى المدينة. ولم يدخل بيتا ولم يظله.

[دخوله الكعبة وصلاته بها]

ودخل الكعبة بعد ما خلع نعليه، فلما انتهى إلى بابها خلع نعليه. ودخل معه عثمان بن أبي طلحة، وبلال وأسامة بن زيد رضي اللَّه عنهم، فأغلقوا عليهم الباب طويلا ثم فتحوه، وصلّى فيه ركعتين بين الأسطوانتين المقدّمتين، وكان البيت على ستة أعمدة. وقيل: بل كبّر في نواحيه ولم يصلّ.

وروي أنه دخل على عائشة رضي اللَّه عنها حزينا، فقالت: مالك يا رسول اللَّه؟ قال: فعلت اليوم أمر ليتني لم أك فعلته! دخلت البيت، فعسى الرجل من أمتى لا يقدر أن يدخله، فتكون في نفسه حزازة [ (١) ] ، وإنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالدخول.

وكسا البيت الحبرات [ (٢) ] : وكانت الكعبة يومئذ ثمانية عشر ذراعا.

[مدة إقامته بمكة]

وأقام بمكة يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس، وكان يوم التروية يوم الجمعة، فخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر بمكة.

وقام يوم التروية بين الرّكن والمقام، فوعظ الناس وقال: من استطاع أن يصلّى الظهر بمنى فليفعل.

فصلّى في حجّته هذه صلاة أربعة أيام- وهو مقيم بمكة- حتى خرج إلى منى، وهو في كل ذلك يقصر [ (٣) ] ولم تكن إقامته هذه إقامة، لأنها ليست له بدار إقامة، [وأنه لم ينو صلّى اللَّه عليه وسلّم أن] [ (٤) ] يتخذها دار إقامة ولا وطن، وإنما كان مقامه بمكة إلى يوم التروية كمقام المسافر في حاجة يقضيها في سفره منصرفا إلى أهله، فهو مقام من لا نيّة له في الإقامة.

فلم ينو صلّى اللَّه عليه وسلّم جعلها مقامه. بل نوى الخروج منها إلى منى يوم التروية عاملا في حجه حتى ينقضي وينصرف إلى المدينة.


[ (١) ] الحزازة: جمع القلب من غيظ ونحوه. (ترتيب القاموس) ج ١ ص ٦٣٢ وفي (الواقدي) ج ٣ ص ١١٠٠ «حرارة» وما أثبتناه من (ابن سعد) .
[ (٢) ] الحبرات: جمع حبرة.
[ (٣) ] يقصر أي في صلاته، فيصلي الصلاة الرباعية ركعتين ركعتين.
[ (٤) ] ما بين القوسين بياض في (خ) وما أثبتناه من (ط) .