للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وأما مناماته عليه السلام]

[ (١) ]


[ (١) ] سئل ابن الصلاح عن تفسير قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: ٤٢] .
أجاب: اللَّه يقبض الأنفس حين انقضاء أجلها بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، واللَّه يقبضها أيضا عند نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت بموت أجسادها، فلا يردها إلى أجسادها، ويرسل الأخرى التي لم تقبض بموت أجسادها حتى تعود إلى أجسادها، إلى أن يأتى الأجل المسمى لموتها.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لدلالات المتفكرين، على عظيم قدرة اللَّه سبحانه، وعلى أمر البعث، فإن الاستيقاظ بعد النوم شبيه ودليل عليه.
وقد نقل أن في التوراة: يا ابن آدم، كلما تنام تموت، وكلما تستيقظ تبعث، فهذا واضح، والّذي يشكل في ذلك أن النفس المتوفاة في المنام أهي الروح المتوفاة عند الموت؟ أم هي غيرها؟ فإن كانت هي الروح فتوفيها في النوم يكون بمفارقتها الجسد أم لا؟ وقد أعوز الحديث الصحيح، والنص الصريح، والإجماع أيضا لوقوع الخلاف فيه بين العلماء:
فمنهم: من يرى أن للإنسان نفسا تتوفى عند منامه، غير النفس التي هي الروح، والروح لا تفارق الجسد عند النوم، وتلك النفس المتوفاة في النوم هي التي يكون بها التمييز والفهم، وأما الروح: فيها تكون الحياة، ولا تقبض إلا عند الموت، ويروى معنى هذا عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما.
ومنهم: من ذهب إلى أن النفس التي تتوفى عند النوم هي الروح نفسها، واختلف هؤلاء في توفيها:
فمنهم: من يذهب إلى أن معنى وفاة الروح بالنوم قبضها عن التصرفات مع بقائها في الجسد، وهذا موافق للأول من وجه، ومخالف من وجه.
ومنهم: من ذهب إلى أن الروح تتوفى عند النوم، بقبضها من الجسد ومفارقتها له، وهذا الّذي نجيب به، وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة.
قال المفسرون: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء اللَّه، فإذا أرادت جميعها الرجوع إلى أجسادها، أمسك اللَّه أرواح الأموات عنده، وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها.
فالفرق بين القبضتين والوفاتين أن الروح في حالة النوم تفارق الجسد على أنها تعود إليه، فلا