للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما أنه صلى اللَّه عليه وسلّم رحمة للعالمين

فقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (١) ] ، وذلك أن أعداءه أمنوا من العذاب مدة حياته، قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [ (٢) ] ، فلم يعذبهم اللَّه تعالى حتى ذهب عنهم إلى ربه، فأنزل بهم ما أوعدهم من قبل وأشد، وذلك قوله تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (٣) ] .

خرج الحرث بن أبي أسامة من حديث على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بعثني اللَّه رحمة وهدى للعالمين،

وهو هدي الدعاء والبيان.

ورواه محمد بن إسحاق من حديث الفرح بن فضالة عن علي بن يزيد به ولفظه: إن اللَّه بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين،

وهو هدى التعريف والاستهداء.

وقال يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قيل يا رسول اللَّه، ألا تدعو على المشركين؟ قال: إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا،

فإن قيل: كيف يكون رحمة للعالمين وقد أنزل بمن عاداه الذل والصّغار، فحطّم بعد الرفعة، وأهانهم بعد المنعة، وصيرهم بعد الملك إلى الهلك، بأن حوى أموالهم، وسبى حريمهم، وملك معاقلهم، وقتل حماتهم، ثم إن أصحابه من بعده دوخوا ممالك الأرض بدعوته، فاجتاحوا العرب من بني حنيفة وغيرهم عند ارتدادهم عن ملته، ومزقوا ملك كسرى وملك فارس، وأذلوا الفرس، وشردوا قيصر ملك الروم عن الشام والجزيرة، وقتلوا الروم والفرس أبرح قتل، وغلبوا قبط مصر وجبروهم أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون بعد ما ملكوا ديارهم وأموالهم


[ (١) ] الأنبياء: ١٠٧.
[ (٢) ] الأنفال: ٣٣.
[ (٣) ] الزخرف: ٤١.