للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حادي وتسعون: شهادة الميّت للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة]

وأما شهادة الميت للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة، فخرج البيهقيّ وغيره من حديث القعنبيّ، قال: حدثنا سليمان بن بلال عن يحى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة الأنصاري، من بنى الحارث بن الخزرج، توفى زمن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه فسجى في ثوبه [ (١) ] ، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوى في أمر اللَّه في الكتاب الأول، صدق صدق عمر بن الخطاب القول الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم، مضت أربع وبقيت اثنتان، أتت الفتن، وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس [ (٢) ] ، وما بئر أريس [ (٣) ] .


[ (١) ] في (خ) : «بقوبه» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) .
[ (٢) ] بئر أريس: يفتح الهمزة، وكسر الراء، وسكون الياء آخر الحروف، وسين مهملة: بئر بالمدينة، ثم بقباء مقابل مسجدها، قال أحمد بن يحى بن جابر: نسبت إلى أريس رجل من المدينة من اليهود، عليها مال لعثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، وفيها سقط خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من يد عثمان، في السنة السادسة من خلافته، واجتهد في استخراجه بكل ما وجد إليه سبيلا، فلم يوجد إلى هذه الغاية، فاستدلوا بعد به على حادث في الإسلام عظيم، وقالوا: إن عثمان لما مال عن سيرة من كان قبله، كان أول ما عوقب به ذهاب خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من يده، وقد كان قبله في يد أبى بكر، ثم يد عمر، ثم في يد عثمان.
وقصة خاتم عثمان مذكورة في (صحيح مسلّم) كتاب اللباس والزينة، باب لبس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خاتما من ورق، من حديث ابن عمر، وسيأتي ذلك في موضعه مفصلا إن شاء اللَّه تعالى.
ولبئر أريس أيضا من الفضل أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يضع رجليه فيها، ويتوضأ منها، وعندها بشّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان بالجنة، رضي اللَّه عنهم أجمعين، كما ورد ذلك في (صحيح البخاري) ، وسيأتي ذلك في موضعه مفصلا إن شاء اللَّه تعالى.
والأريس في لغة أهل الشام: الفلّاح، وهو الأكار، وجمعه أريسيون، وأرارسة وأرارس، في الأصل جمع أرّيس بتشديد الراء، وأظنها لغة عبرانية، وأحسب أن الرئيس مقدم القرية تعريبه، وفي كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى هرقل عظيم الروم: «وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» . (معجم البلدان) : ١/ ٣٥٤، موضع رقم (١٢٠٩) ، (المصباح المضيء) : ٢/ ٧٤
[ (٣) ] (دلائل البيهقي) : ٦/ ٥٥، باب ما جاء في شهادة الميت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة والقائمين بعده بالخلافة، والرواية في ذلك صحيحه ثابتة، وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة.