للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامسة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يحب الطيب في الإحرام لأن الطيب من أسباب الجماع

ادعى المهلب بن أبى صفره المالكي أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتجنب الطيب في الإحرام ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذا الطيب من أسباب الجماع فيكون ذلك من الخصائص وقد خولف المهلب في هذه الدعوى [ (١) ]


[ (١) ] أخرج البخاري في الحج، باب (١٨) الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترحل ويدهن، حديث رقم (١٥٣٩) ، عن عائشة رضى اللَّه عنها زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قالت: «كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل قبل أن يطوف بالبيت» .
قال الحافظ في (الفتح) : وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم قاله المهليب، وأبو الحسن القصار، وأبو الفرج من المالكية، قال بعضهم: لأن الطيب من دواعي النكاح، فنهى الناس عنه، وكان هو أملك الناس لإربه ففعله، ورجمه ابن العربيّ بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح، وقد ثبت عنه أنه قال «حبب إلى النساء والطيب» . أخرجه النسائي من حديث أنس، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس. وقال المهلب: إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي، وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية وكيف بها، ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم.
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت: «طيبت أبى بالمسك لإحرامه حين أحرم «ويبقو لها» طيبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيدي هاتين أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد اللَّه بن عروة، عن جدة، عنها، وسيأتي من طريق سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ «وأشارت بيديها» واعتذر بعض المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه، وتعقب بما رواه النسائي، من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم- منهم القاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وسالم، وعبد اللَّه ابنا عبد اللَّه بن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث.
فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة، فكلهم امر به- فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين، قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه. (فتح الباري) : ٣/ ٥٠٩- ٥١٠.