للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول لك: لا نأخذ من محمد نصفا [ (١) ] أبدا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوة [ (٢) ] ! فقال مكرز: وأنا أرى ذلك.

[رد أبي جندل إلى أسر المشركين]

وقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما قاضيتك عليه، ردّه!

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نقض الكتاب بعد!

فقال سهيل: واللَّه لا أكاتبك على شيء حتى ترده إليّ. فرده عليه، وكلمه أن يتركه، فأبى سهيل وضرب وجهه بغصن من شوك،

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هبه لي أو أجره من العذاب! فقال: واللَّه لا أفعل.

فقال مكرز وحويطب: يا محمد، نحن نجيره لك. فأدخلاه فسطاطا فأجاراه، فكف عنه أبوه. ثم

رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صوته فقال: يا أبا جندل: اصبر واحتسب، فإن اللَّه جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك عهدا، وإنا لا نغدر.

[عودة عمر إلى مقالته]

وعاد عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! ألست برسول اللَّه؟ قال: بلى! قال: ألسنا على الحق؟ قال: بلى! قال:

أليس عدونا على الباطل؟ قال: بلى! قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال:

إني رسول اللَّه، ولن أعصيه ولن يضيعني.

فانطلق إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك، فأجابه بنحو ما أجاب به رسول اللَّه، ثم قال: ودع عنك ما ترى يا عمر. فوثب إلى أبي جندل يمشي إلى جنبه، وسهيل يدفعه، وعمر يقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب! وإنما هو رجل، ومعه [ (٣) ] السيف يحرضه على قتل أبيه. وجعل يقول: يا أبا جندل! إن الرجل يقتل أباه في اللَّه! واللَّه لو أدركنا آباءنا لقتلناهم في اللَّه، فرجل برجل. فقال له أبو جندل: مالك لا تقتله أنت؟ قال عمر: نهاني رسول اللَّه عن قتله وقتل غيره.

قال أبو جندل: ما أنت أحق بطاعة رسول اللَّه مني.


[ (١) ] النّصف: الإنصاف.
[ (٢) ] العنوة: القهر والإذلال.
[ (٣) ] في (خ) «ومعك» والتصويب من ابن هشام.