فخرج حتى أتى العيص، فنزل منه ناحية على ساحل البحر على طريق عير قريش إلى الشأم، وعند ما خرج لم يكن معه إلا كف تمر فأكله ثلاثة أيام، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالساحل فأكلها، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبره.
فتسللوا إليه. وكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه هو الّذي كتب إليهم بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بصير: ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال، وأخبرهم أنه بالساحل. فاجتمع عند أبي بصير قريب من سبعين مسلما، فكانوا بالعيص.
وضيقوا على قريش، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر عليهم عير إلا اقتطعوها، ومر بهم ركب يريدون الشأم، معهم ثمانون بعيرا، فأخذوا ذلك، وأصاب كل رجل منهم قيمة ثلاثين دينارا، وكانوا قد أمروا عليهم أبا بصير، فكان يصلى بهم ويقرئهم ويجمعهم، وهم له سامعون مطيعون، فغاظ قريشا صنيع أبي بصير وشق عليهم، وكتبوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألونه بأرحامهم إلا أدخل أبا بصير إليه ومن معه: فلا حاجة لنا بهم.
فكتب صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبي بصير أن يقدم بأصحابه معه،
فجاءه الكتاب وهو يموت، فجعل يقرأه، ومات وهو في يده فدفنوه. وأقبل أصحابه إلى المدينة وهم سبعون فيهم الوليد بن الوليد بن المغيرة، فمات بعقب قدومه فبكته أم سلمة رضي اللَّه عنها.
[هجرة أم كلثوم بنت عقبة إلى المدينة]
وكانت أم كلثوم بنت عقبة [ (١) ] بن أبي معيط قد أسلمت بمكة، فكانت تخرج إلى بادية أهلها [لها بها أهل] ، فتقيم أياما بناحية التنعيم ثم ترجع. حتى أجمعت على المسير مهاجرة، فخرجت كأنها تريد البادية على عادتها، فوجدت رجلا من خزاعة فأعلمته بإسلامها، فأركبها بعيره حتى أقدمها المدينة بعد ثماني ليال، فدخلت على أم سلمة رضي اللَّه عنها، وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة، وتخوفت أن يردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أم سلمة أعلمته، فرحب بأم كلثوم وسهّل، فذكرت له هجرتها، وأنها تخاف أن يردها.