فأما إذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل، فيقابل بينهما ليظهر له رجحان الأرجح، فليس هذا بمنهي عنه، لأن الرسل إذا كانوا متفاضلين، وكان فضل الأفضل يوجب له فضل حق، وكان الحق إذا وجب لا يهتدى إلى أدائه إلا بعد معرفته، ومعرفة مستحقه كانت إلى معرفة الأفضل حاجة، ووجب أن يكون للَّه عزّ وجلّ عليه دلالة، وطلب العلم المحتاج إليه من قبل إعلامه المنصوبة عليه ليس مما ينكر واللَّه تعالى أعلم. وهذا قول أبو عبد اللَّه الحليمي رحمه اللَّه. قال البيهقي: ومن تكلم في التفضيل ذكر في مراتب نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وخصائصه وجوها لا يحتمل ذكرها بأجمعها هذا الكتاب، ونحن نشير إلى وجه منها على طريق الاختصار. فمنها: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان رسول الثقلين الإنس والجن، وأنه خاتم الأنبياء. ومنها: أن شرف الرسول بالرسالة، ورسالته أشرف الرسالات بأنها نسخت ما تقدمها من الرسالات، ولا تأتي بعدها رسالة تنسخها. ومنها: أن اللَّه تبارك وتعالى أقسم بحياته صلى اللَّه عليه وسلّم. ومنها: أنه جمع له بين إنزال الملك عليه أو إصعاده إلى مساكن الملائكة، وبين إسماعه كلام الملك، وإراءته إياه في صورته التي خلقه عليها، وجمع له بين إخباره عن الجنة والنار وإطلاعه عليهما، وصار العلم له، واقعا بالعالمين، دار التكليف ودار الجزاء عيانا. ومنها: قتال الملائكة معه صلى اللَّه عليه وسلّم. ومنها: ما أخبر عن خصائصه التي يخصّه اللَّه تعالى بها يوم القيامة، وهو المقام المحمود الّذي وعده بقوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [٧٩: الإسراء] .