وأما إنجاز اللَّه تعالى وعده لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلم بدخول الناس في دين اللَّه أفواجا بعد فتح مكة
فخرّج البخاريّ في غزوة الفتح [ (١) ] من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟
قال: فلقيته فسألته، فقال: كنا بما ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن اللَّه أرسله، أوحى إليه، أو أوحى اللَّه بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقرّ في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق.
فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم واللَّه من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حقا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان، فقدّموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا
[ (١) ] (فتح الباري) : ٨/ ٢٧، كتاب المغازي، باب (٥٤) بدون ترجمة، حديث رقم (٤٣٠٢) ، وفي الحديث حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة، ولم ينصف من قال: إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم ولم يطلع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على اجتهادهم لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، كما استدل أبو سعيد وجابر لجواز العزل بكونهم فعلوه على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولو كان منهيا عنه لنهى عنه في القرآن، وكذا من استدل به بأن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها، بل هو سنة، ويجزى بدون ذلك، لأنها واقعة حال، فيحتمل أن يكون ذلك بعد علمهم بالحكم. (فتح الباري) .