للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وأما موسى عليه السلام]

فإن اللَّه تعالى أيده بالعصا، واليد البيضاء، وتفجير الماء من الحجر، وقال تعالى: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا [ (١) ] ، ومقام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم في المناجاة أرفع، فإن موسى عليه السلام، إنما سمع الكلام والمناجاة على الطور، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم سمع الكلام وقد أسرى به، والملأ الأعلى فضله على الأرض.

فأما العصي الخشب الموات فإنّها تصير بإذن اللَّه تعالى ثعبانا تتلقف إفك سحرة فرعون، ثم تعود إلى معناها، وخاصتها من مآرب موسى عليه السلام، وقد أتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أعجب من ذلك، فإنه أشار بقضيب في يده يوم الفتح إلى الأصنام المشدودة بالرصاص شدا محكما إلى الكعبة فيما حولها، وعدتها ثلاثمائة وستون صنما، فكان إذا أشار إليها بالقضيب وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [ (٢) ] سقط الصنم وتكسر جذاذا، فكانت عصا موسى مسلطة على آلة آل فرعون، وقضيب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم سلّط على ما اتخذته قريش آلهة، وأين التسليط على الآلة، من التسلط على الآلهة؟

وأيضا فإن اللَّه تعالى قال عن موسى عليه السلام: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [ (٣) ] فسلط عصاه على ذلك التخيل، وقضيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسلط على أمر حقيقي، وأين الخيال من الحقيقة؟

وقد حنّ لنبينا [محمد] [ (٤) ] صلّى اللَّه عليه وسلم الجذع اليابس، وخار، وهذا أعجب من حالات عصا موسى عليه السلام، فإن موسى إنما جعل النّبات حيوانا غير ناطق، ونبينا [محمد] [ (٤) ] صلّى اللَّه عليه وسلم جعل النبات حيوانا ناطقا، فشارك موسى في قلب الأعيان على وجه أتم، لأن الناطق أتم من غير الناطق، وأبلغ في الأعجوبة إجابة الأشجار واجتماعها لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما دعاها، ورجوعها إلى أمكنتها بعد أن أمرها.

وكان من معجزات موسى عليه السلام، أن يضرب بعصاه الحجر فينفجر منها اثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط الاثنا عشر، وقد أيد اللَّه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك


[ (١) ] مريم: ٥٢.
[ (٢) ] الإسراء: ٨١.
[ (٣) ] طه: ٦٦.
[ (٤) ] زيادة للسياق.