أودع المقريزي في صفحة العنوان من كتاب [السلوك لمعرفة دول الملوك] ، شيئا من صفاته الشخصية، حيث يقول بعد كتابة اسم الكتاب واسمه هو، وكأنما يخاطب نفسه:
[لا أحوجك اللَّه إلي اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا ألجأك إلي قبض عوض عن جميل أوليته، ولا جعل يدك السفلي لمن كانت عليه هي العليا، وأعاذك من عز مفقود، وعيش مجهود، وأحياك ما كانت الحياة أجمل لك، وتوفاك إذا كانت الوفاة أصلح لك، بعد عمر مديد، وسمو بعيد، وختم بالحسنى عملك، وبلغك في الأولى أملك، وسدد فيها مضطربك، وأحسن في الأخرى منقلبك، إنه سميع قريب، جواد منيب] .
[الوظائف التي تولاها المقريزي:]
التحق المقريزي بالخدمة الحكومية، بعد أن غدا بحكم طبقته وتعليمه من [أهل العلم والمعرفة] وهي التسمية المخصصة لهذه الطبقة تمييزا لها عن طبقة [أهل السيف] وهم المماليك وحدهم، دون غيرهم من سكان البلاد المصرية والشامية جميعا.
وأول عهد المقريزي بالخدم الحكومية كأبيه من قبله:[ديوان الإنشاء بالقلعة] ، وهو الديوان الّذي يقابله في العصر الحاضر [وزارة الخارجية] ، فعمل المقريزي الشاب سنة ١٣٨٨ م موقعا- أي كاتبا- وهي وظيفة لا يبلغها وقتذاك سوى أصحاب الموهبة والمعرفة والتفوق في اللغة والأدب والتاريخ. ثم تعين المقريزي نائبا من نواب الحكم- أي قاضيا- عند قاضي قضاة الشافعية بسبب ما اشتهر عنه من الحماسة للمذهب الشافعيّ منذ أيام دراسته، وتحوله عن مذهب الحنفية الّذي نشأ فيه، ثم صار المقريزي إمام الجامع الحاكم الفاطمي، وهي وظيفة في ذلك العصر.
وتولى المقريزي بعد ذلك وظيفة مدرس للحديث بالمدرسة المؤيدية، وهي وظيفة يقابلها في المصطلح الجامعي في العصر الحاضر [أستاذ ذو كرسي] .