[وأما ما استشار فيه فهو الأمور الممكنات المتقاربة باختيار الفاعل]
قال جامعه: قال الماورديّ: واختلف فيما يشاور فيه، فقال قوم: في الحروب ومكايدة العدوّ خاصة، وقال آخرون: في أمور الدنيا دون الدين، وقال آخرون: في أمور الدين بينها لهم على علل الأحكام، وطريق الاجتهاد، وقال الثعلبي: اختلف في المعنى الّذي أمر اللَّه- تعالى- نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمشاورة لهم فيه، مع كمال عقله، وجزالة رأيه، وتتابع الوحي عليه، ووجوب طاعته على أمته، فيما أحبوا أو كرهوا.
فقيل: هو خاص في المعنى، وإن كان عاما في اللفظ، ومعنى الآية:
ومشاورتهم فيما ليس عندك فيه من اللَّه- تعالى- عهد، يدل عليه قراءة ابن مسعود:«وشاورهم في بعض الأمر» ، وقال ابن الكلبي: ناظرهم لقاء العدو، ومكايد الحروب عند الغزو، وقال الراغب: وأما القصد بالاستشارة فتارة لاستضاءة المستشير برأي المستشار، أو لئلا يلزم إن استبد فيتفق وقوعه بخلاف إيراده، ولهذا قيل: الاستشارة حصن من الندامة، وأمن من الملامة، وتارة طلبا لهداية المستشار، إما لأن يبين له خطأ رأيه إن كان له رأي خطأ في ذلك الأمر، وإما أن لا يعتقد هو أو غيره أن الاستبداد فضيلة فيستبد رأيه فيما ربما يؤدي إلى فساد، وإما لإكرامه وتعظيمه، فإذا تقرر هذا فأمور النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تنفعك من أن يكون شيئا دنياويا، أو كان دينيا فمعلوم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غير محتاج إلى الاستضاءة برأي غيره من البشر، لما أمده اللَّه- تعالى- به من النور الإلهي، وما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يستشيرهم في شيء من أصول الشريعة، ولكن ربما كان يستشيرهم في بعض فروعها، التي هي مسائل الاجتهاد، نحو ما روي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم استشارهم في شعار يرفع للصلاة، ومثل ذلك تشريف لهم أولا، وتنبيه على أن ما سبيله الاجتهاد فحقه الاستعانة فيه بالآراء الكثيرة الصحيحة، لينقدح منها الصواب.