فصل في ذكر هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة
خرّج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب جوار أبى بكر في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي كتاب الهجرة، من حديث الليث عن عقيل، قال [ابن] شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طرفي النهار، بكرة وعشية.
فلما ابتلى المسلمون، خرج أبو بكر [رضى اللَّه عنه] مهاجرا نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد، لقيه ابن الدّغنّة- وهو سيد القارة-[فقال] : أين تريد يا أبا بكر؟ [فقال] أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربى، فقال ابن الدّغنّة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أنت تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع، وارتحل معه ابن الدّغنّة [فطاف ابن الدّغنّة] [ (١) ] عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلّ، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب [قريش] [ (١) ] بجوار ابن الدّغنّة.
وقالوا لابن الدّغنّة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ فيها، وليقرأ [ما شاء] ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدّغنّة لأبى بكر، فلبث أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره.