للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: قد اختلفت طرق العلماء في الجواب عن ذلك، فقالت طائفة: هذه الصلاة علمها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يعرف أنه سيد ولد آدم، وردّ هذا بأن هذه هي الصلاة التي علمها أمته لما سألوه عن تفسير قول اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (١) ] ، وجعلها مشروعة في الصلاة إلى يوم القيامة، وهو لم يزل أفضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده، فلما علم بأنه سيد ولد آدم لم يغيّر نظم الصلاة عليه التي علمها أمته، ولا أبدلها بغيرها، ولا روي عن أحد خلافها، [فصلح] [ (٢) ] هذا الجواب.

وقالت طائفة: هذا السؤال والطلب شرع ليتخذه اللَّه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وقد أجابه اللَّه تعالى إلى ذلك كما

ثبت في الصحيح: «ألا وإن صاحبكم خليل الرحمن» [ (٣) ] ،

يعني نفسه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهذا القول من جنس ما قبله، فإن مضمونه أنه بعد أن اتخذ خليلا لا تشرع الصلاة عليه على هذا الوجه، وهذا من أبطل الباطل.

وقالت طائفة أخرى: إنما هذا التشبيه راجع إلى المصلى فيما يصير له من ثواب الصلاة عليه، فطلب من ربه ثوابا وهو أن يصلي عليه كما صلى على إبراهيم، لا بالنسبة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإن المطلوب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الصلاة وأعظم مما هو حاصل لغيره من العالمين، وردّ هذا: بأن التشبيه ليس فيما يحصل للمصلّي، بل فيما يحصل للمصلى عليه، وهو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وآله، فمن قال: أن المعنى اللَّهمّ أعطني ثواب صلاتي عليه كما صليت على إبراهيم و [على] [ (٤) ] آل إبراهيم فقد حرف الكلام


[ () ] ومنها: أن اللَّه جلّ ثناؤه لم يخاطبه في القرآن إلا بالنبيّ أو الرسول، ودعا سائر الأنبياء بأسمائهم، وحين دعا الأعراب نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم باسمه أو كنيته نهاهم عن ذلك، وقال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [٦٣: النور] ، وأمرهم بتعظيمه وبتفخيمه، ونهاهم عن التقديم بين يديه، وعن رفع أصواتهم فوق صوته، وعاب من ناداه من وراء الحجرات، إلى غير ذلك مما يطول بشرحه الكتاب، وهو مذكور في كتب أهل الوعظ أهل الوعظ والتذكير.
ومنها: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أكثر الأنبياء إعلاما، وقد ذكر بعض المصنفين أن أعلام نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم تبلغ ألفا.
(دلائل البيهقي) : ٥/ ٤٩١، باب ما جاء في التخيير بين الأنبياء.
[ (١) ] الأحزاب: ٥٦.
[ (٢) ] في (خ) : «فطاح» ، ولعل الصواب ما أثبتناه.
[ (٣) ] سبق الإشارة إليه.
[ (٤) ] زيادة للسياق.